الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الخوف والشعور بأن أجلي قريب.

السؤال

السلام عليكم.

أولاً شكراً على مجهوداتكم، قرأت كثيراً عن مشكلتي، ولكن لم أرتح كلياً، القصة بدأت منذ وفاة جدتي فجأة لم أجد أي ردة فعل تجاه الوفاة، لكن بعد شهر في ليلة شعرت بضيق شديد في النفي، كأن روحي تسحب مني، فخفت كثيراً أن يكون لدي مرض في رئتي، وقلبي (مثل جدتي هي توفيت أثناء عملية القلب).

خفت كثيراً، وفكرت في أمي لو أنا مت من سيبقى معها؟ ستحزن كثيراً، أتخيل حياتها بعدي وحزنت كثيراً، ثم بعد أيام جاءني إحساس بأن أجلي قريب، وأني لن أبلغ الشتاء ولن أبلغ شهر رمضان، وأتخيل أمي بدوني في رمضان، وفي العيد، وأتخيل أني لست موجودة بينهم، وكبر إحساسي بأن أجلي قريب، وكل يوم أعيش على هذا الإحساس.

حزنت كثيراً، وأصبحت لا يسعدني أي شيء، وأتمنى العودة إلى حياتي في الماضي، خاصة عندما أحس أنني لا أعيش لرمضان، فأنا أحبه جداً، داومت على سورة البقرة أحياناً أتحسن ولكن أغلب الوقت أحس أني لن أبلغ رمضان.

هذا الإحساس لا يفارقني، أصبحت لا أريد أن أعمل، ولا أريد أن أفعل أي شيء، وأقول لماذا آكل وأشرب وأنا سأموت! تعبت حقاً، ولم يعد أي معنى لحياتي وفي يوم من الأيام كنت أقرأ سورة البقرة، فعندما بدأت أقرأها انتابتني نوبة بكاء رهيبة، لست أنا من أردت البكاء.

أنا أساساً تفاجأت بدموعي تنزل، وبكاء ولم أستطع القراءة لكني واصلت برغم أن البكاء منعني، لكن أكملتها وارتحت قليلاً في ذلك اليوم، لكن بعدها عدت لنفس الإحساس، بحثت ووجدت أنه لا يمكن الإحساس بالأجل، لكن هناك إحساس قوي داخلي يقول: إني لن أبلغ رمضان، ما تفسير حالتي؟

علماً أني لا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء، وأرحب بك في الشبكة الإسلامية.

طبعًا لا شك أن وفاة جدتك – عليها رحمة الله – كان حدثًا كبيرًا من حيث معناه ومحتواه النفسي.

الذي حدث لك هي نوبات من قلق المخاوف ذات الطابع الوسواسي، وقطعًا هذا مرتبط بوفاة الجدة عليها رحمة الله.

كثيرًا ما تُنقل الأعراض التي كان يعاني منها شخص عزيز على شخص آخر؛ تنتقل هذه الأعراض إلى هذا الشخص، كما حدث لك، وهذا نسميه بـ (التماهي النفسي/التطابق النفسي، التمازج النفسي) وعلى ضوء ذلك حدثت لك هذه المخاوف وهذه الوساوس، وتمحورت وتمركزك حول الخوف من الموت بالإصابة بمرض في القلب مثلاً، أو سكتة قلبية أو خلافه.

الناس دائمًا تشغل بأمراض القلب لأن القلب في نظر الناس هو مركز الحياة، والآن التخوف من أمراض القلب والتخوف من موت الفجاءة والذي كثر في زماننا هذا – نسأل الله العافية – هذه أصبحت الآن تُشكّل إشكاليات كبيرة جدًّا في الصحة النفسية في حياة الناس.

أنا أقول لك: الذي حدث لك هو شيء نستطيع أن نقول أنه موجود، لا أقول أنه طبيعي مائة بالمائة، فيظهر أنك سريعة التأثُّر وسريعة التكيف مع الأوضاع السلبية، لذا ظهرت عليك هذه الأعراض بهذه الكثافة واستشرت وامتدت وأخذت الطابع الوسواسي.

أسأل الله الرحمة والمغفرة لجدتك، وأقول لك أن لا يوجد تطابق بين البشر، كل إنسان خلقه الله تعالى في تقويمه الخاص وبطريقته الخاصة وبأجله الخاص، وهذه أمور مكتوبة، لا أحد يعلمها أبدًا، لا أحد يعلم أين يموت ومتى يوم، لكنّ الموت آتٍ ولا شك في ذلك، ولذا نحن دائمًا نقول للناس: يجب أن نخاف من الموت الخوف المحمود، الخوف الذي يجعلنا نعمل للآخرة كأنَّا نموت غدًا، الخوف المحمود هو الذي يجعلك في حالة من اليقظة التامة بأن تبتعد عن المعاصي، تبتعد عن المحرمات، تكون دائمًا في تقوى، في عبادتك، في أخلاقك، في سلوكك، في تعاملك مع الآخر، هذا نوع من الخوف المحمود، وهذا حقيقة يجعل الإنسان يُبدع في حياته، يكون نافعًا لنفسه، يكون نافعًا لغيره، يعيش الحياة بقوة وبثبات، ويؤمن بأنه مكلف بتعمير الأرض هذه، والأرض لا تعمر إلَّا من خلال أداء البشري، الأداء الإيجابي.

إذًا ابني قناعاتك على هذه الأسس، ولا تخافي من الموت خوفًا مرضيًّا، حقّري الخوف المرضي.

الأمر الآخر: يجب أن تستمتعي بحياتك، يجب أن تُحسني إدارة وقتك، تمارسي الرياضة، يجب أن تكوني من النجباء والمتميزين على المستوى العلمي، على المستوى السلوكي، كوني إنسانة فاعلة في أسرتك، لا تكوني مهمَّشة، يجب أن تكون لك إضافات كبيرة في بناء الأسرة وتطويرها، يجب أن تكوني بارَّةً بوالديك، أحسني إدارة وقتك، الذي يُحسن إدارة وقته يحسن إدارة حياته، وكل الناجحين كانوا متميزين في إدارة الوقت.

مارسي الرياضة كما ذكرتُ لك، طبقي بعض التمارين الاسترخائية، هذا يفيدك كثيرًا، ولا بأس أن أصف لك دواءً بسيطًا يُساعدك على طرد هذه المخاوف وهذه الوساوس، الدواء يُسمَّى علميًا (سيرترالين)، ابدئي في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء، هو دواء سليم جدًّا، وغير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً