الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تعاملني بشكل غريب رغم حبي واحترامي لها، فبماذا ترشدونني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في الحقيقة ستكون هذه المرة الأولى التي أكتب فيها وأسأل حول هذا الأمر؛ لأنه يثقل كاهلي ولا علم لي بما سأفعله!

حسنا: في الحقيقة أمي شخص صارمة صراحة، أحبها وأقدرها رغم كل هذا لأنها أمي، وستظل هكذا إلا أنها لا تعاملني جيدا، تفضل أختي الكبرى علي كثيرا، ويصل بها الأمر لتقول لي لن تصلي لها أبدا فهي أجمل منك وأحسن.

في صغري أحرقتني بسكين بسبب التبول اللا إرادي، وكانت عدة مرات ليست بمتكررة، المهم كانت لا تسأل عن حالي، ولم تعانقني يوما وتسأل كيف كان يومي، حتى أنني لم أعد أخبرها عني وعما يحصل معي من مشاكل، وهي لا تبالي بأمري، حتى الآن لا تتعامل معي جيدا، وتنتظر أن أخطئ لتتملص مني ولا تحدثني، وأنا لا أستطيع أن أراها هكذا وأبدأ الحديث، وأقبل يدها ورجلها لتسامحني على شيء لم أقم به فقط لأنني لا أستطيع أن يمر يوما بدون أن تكلمني.

تعاملني بشكل غريب، وتريدني أن أخبرها بما يحصل وما يقوله أبي في فترة خلافهما، ولكنني لا أستطيع، فتنهال علي بالدعوات والشتم، دائما ما تقوم بقمعي أمام الناس، في الحقيقة سئمت من كل هذا وما باليد حيلة، يبقى الليل هو الوقت الوحيد الذي أفرغ فيه من البكاء ما أستطيع، تقريبا منذ خمسة عشر يوما وهي تعاملني معاملة فظة بدون سبب ولا تتكلم، رغم ذلك أقبل رأسها وأجلس حتى لو لم أتكلم، فتقوم من مكانها ولا تجلس في المكان الذي أجلس فيه، حتى إنها لا تغسل ملابسي وترميها في غرفتي على الأرض، ولكي أكون صريحة أنا لم أفعل شيئا، ولم يعد بمقدوري التكلم وفهم ما الأمر؛ لأنها ليست بالمرة الأولى التي تفعل معي هكذا، ولكني خائفة من غضب الله علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ saloua حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نُرحب بك أجمل ترحيب.

ابنتي الغالية: اتفق الفقهاء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية؛ لأن تفضيل بعضهم على بعض يورث البغضاء والعداوة فيما بينهم، قد يكون هناك بعض الأهل يفضل أحد أبنائه على الآخرين؛ والسبب اختلاف طبائع الأبناء، وخطورة التفضيل قد تسبب حدوث مشاكل نفسية مثل: الكره والجفاء والغيرة بين الإخوة؛ وهذه هي مشكلتك بنيتي مع والدتك كما ذكرت خلال استشارتك، وهنا أقول لك: إن الله خلق الأم منبعًا للرحمة، والحنان على أولادها، فبرّ الأم يعد من شكر الله تعالى.

وإننا لا نجد العلاقة بين الأم وابنتها دائماً على ما يرام، وكثيرًا ما نجد المشاحنات والخلافات التي لا تخلو منها البيوت، وبالمقابل يجب علينا أن لا ننسى أن هذه الأم هي التي حملت وربت، وأرضعت وسهرت من أجلنا؛ لذلك علينا أن نتذكر أن الحياة قصيرة، وأصحابها راحلون، وأهنئك على قولك:" أحبها وأقدرها رغم كل هذا".

اعلمي بنيتي أن الأم لا تكره أبناءها قط؛ هذا أمر مستحيل، وغداً ستصبحين أماً وستدركين معنى هذا الحديث، لكنها ربما من الأمهات اللواتي لا يعبرن بشكل سليم عما يختلج صدورهن، أو عاشت في بيئة ترى هذا الأمر طبيعياً، وهذا منتشر في الكثير من البيوت، وهذا أمر غير مقبول وصحي أبدًا.

لذلك لا تجعلي وساوس الشيطان تحرمك من حنان أمك وتبعدك عنها، ولا تستسلمي لفكرة أنها تكرهك؛ فهي أكثر البشر خوفًا عليك وحبًا لك، واعلمي غاليتي أن الشيطان حريص أن يزين لك الخوض في التعليق على تصرفاتها معك ومقارنتها بأسلوبها مع شقيقتك ليحزنك، وليوقع البغضاء والشحناء في النفوس، فلا تجعلينه ينت

صر.

اجلسي معها جلسة مصارحة، وابدئي بالكلمة الطيبة وبالعبارات التي ترضيها عنك، وأخبريها أنك بحاجة إلى وجودها، واطلبي منها أن تسامحك على ما صدر منك، وقومي بتقبيل يدها ورأسها كل يوم، وساعديها في شؤون المنزل، واحرصي أن تكوني بين يديها حين تكون في حاجتك.

فكم هو مؤلم أن يكون كرب المرء مع من هم الأقرب إلى نفسه والأعز على قلبه، ولك في خليل الله إبراهيم -عليه السلام- خيرُ أُسوة؛ فقد كان والدُه يتوعَّده أشد الوعيد؛ (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا)، فما كان جوابُه على تلك القسوة إلا أن قال: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًا).

فتجنبي مواجهتها بقول أو فعل يغضبها، والصبرُ على أذى الوالدة من أعظم البر به، وتذكَّري ألا يعلو صوتك عند الحديث معها؛ لئلا تقعي في عقوقها في تلك اللحظات التي قد ينفذ الشيطان إلى قلبك خلاله ويدخلك في دائرة العقوق، ومهما كانت شخصيتها، فالشرع أمرنا أن نلتمس العذر لمن حولنا، فما بالك بأقرب الأقارب وهي والدتك؟!

فالأم لها ثلاثة حقوق؛ لأنها عانت من آلام الحمل، وآلام الوضع، وآلام الحضانة والرَّضاعة ما لم يُعانه الأب، فتقبلي والدتك كما هي، وإن كانت بهذا السوء، فهي ولَدَتْك وتعبت فيك؛ قال تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}، ويكفي أنّها أمك كي تكنِّي لها كل الاحترام والحبّ والتقدير.

وبالنّسبة إلى ما ذكرت في استشارتك حيث قلت: " لا تعاملني جيدا تفضل أختي الكبرى علي كثيرا ويصل بها الأمر لتقول لي لن تصلي لها أبدا فهي أجمل منك وأحسن"، أقول لك: انظري سبب تفضيلها لشقيقتك عليك، فقد لا يكون تفضيلاً أو تمييزًا (بالشكل) بِقدر ما هو رحمة لها، وربما تمرّ بمواقف تحتاج من أمك أن تقف معها وتساعدها، وتأكدي أن تصرفها دون شعور منها بأنها تقع في آفة التفضيل، ولا أظنّ أنّ هناك صعوبة في معرفة الأشياء التي تجلب غضب الوالدة، فأرجو أن تبتعدي عن كل ما يُثيرها ويغضبها، واعلمي بنيتي أنّ الأهل في العادة لا يكرهون أولادهم؛ هذا مما زرعه الرحمن في قلوبهم، والله -عز وجل- أوصى الأبناء وحثهم على البر بوالديهم وليس العكس؛ وهذا لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

لذا أنصحك مهما كبرت الفجوة ومهما حصلت اختلافات في الرأي يضل الإحسان بالوالدة حق وواجب في ذات الوقت، وتقربي من شقيقتك التي تفضلها والدتك وكوني صديقة لها وتحسين علاقتك بأختك وسينعكس هذا تلقائيا على علاقة والدتك بك.

وبالنسبة إلى ما تطلبه والدتك منك كما ذكرت:"تريدني أن أخبرها بما يحصل وما يقوله أبي في فترة خلافهما" أقول لك: حسناً فعلت أنك لم تقوم بنقل الكلام، ويمكنك أن تذكري أمامها بعض الأمور الإيجابية التي تصلح الحال بين والديك.

ولا مانع أن تحاولي أن تبحثي عن امرأة من معارفكم أو أقاربكم (الخالة، العمة، الجدة) تمد أمك بالنصح بشكل غير مباشر، وتوضح لها بعض السلبيات في تعاملها معك وإلى وجوب العدل بين الأبناء، وإلى أن فعلها هذا يزرع الحسد والبغضاء في نفوس بناتها ويوقعها في الإثم، فاصبري وصابري وتوكلي على الله تعالى والتغيير لن يكون بين ليلة وضحاها، فإن لم تجدي للنُّصح مِن سبيل، فلا أقل من الدعاء لها بالهداية وصلاح الحال وأن يحنن الله قلبها عليك، واعلمي أن الله الذي يعلم الجلي والخفي يُعامل كلّ عبد من عبيدِه بحكمة عالية وعدل وإنصاف.

طوري قدراتك التي وهبها الله لك، وحاولي أن تكوني عضواً فعالاً في المجتمع، من خلال الانتماء إلى إحدى الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وخاصة المعنية بالأيتام.

وأخيراً: أنصحك من القلب أنّ لا تجعلي ما تفعله والدتك يؤثِّر على سير حياتك وعلى نفسيتِك؛ بل استمرِّي في البحث العلمي والإنجاز والتميز؛ لأنَّ الإنسان في النهاية لن يُحاسب على أفعال غيره، حتى ولو كانوا والديه، بل سيحاسب على أفعاله، وما قدَّمه من علم وخير ونفع للأمة الإسلامية.

أشغلي نفسك بالطاعات والدعاء والتضرع إلى الله أن يؤلف بين قلبك وقلوب أمك وشقيقتك.

أسأل الله -عزّ وجل- أن يفرّج همّك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً