الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع أخي الذي إن غضب يسبني ويؤذيني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد استشارتكم في موضوع اتخذت فيه قراراً، ومع ذلك أثق في نصائحكم القيمة.

لقد نشب خلاف بيني وبين أخي الأصغر، وهو يبلغ من العمر 25 عاماً، أُعامله دائمًا معاملة حسنة جدًّا، ولكن ما إن يحدث خلاف بيننا، إلا ويتحول إلى شخص آخر لا يُعرف، والله لو أخبرتكم عن سبب الخلاف لتعجبتم من تفاهته!

في آخر مرة أهانني وبدأ بسحبي وضربي على كتفي، مما جعلني أرتجف خوفًا، فقد بدا لي كشخص لا يعرف الرحمة.

حدثت مواقف مشابهة في السابق، وضربني ضربًا مبرحًا عندما كان في العشرين من عمره أو أقل، وكنت أنوي مقاطعته، ولكن أمي منعتني من ذلك، أمَّا الآن عندما رأت أمي ما حدث صعدت إليه ووبخته على فعله، لكنه بدأ بتكسير الطاولة والباب، ولم يحترم أُمُّنا، وأنكر أنه ضربني.

الآن ولأول مرة تؤيدني أمي في قراري بمقاطعته، وقالت لي: "لقد رأيته، إنه شخص خطير"، حتى هي لا تكلمه الآن، وأنا أؤيدها في ذلك، لأنه لا يحترمها أبدًا.

أنا أخشى الله، ولا أريد أن أغضبه بقطع الرحم، ولكني أرى أن استمرار التواصل معه قد يؤدي إلى كارثة.

تمالكت نفسي واحترمت والدتي، ولم أردَّ عليه الضرب والإهانة، وأنا أعلم جيدًا أنه سيتشاجر معي كأنه طفل، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث حينها.

كنت أعتقد أنه يحبني كثيرًا، ولكن بمجرد حدوث خلاف بسيط جدًّا، ينسى كل شيء، ربما لأنني كنت أسامحه في كل مرة، ممَّا جعله يتمادى.

ألوم نفسي كثيرًا على عدم تقدير ذاتي والسماح بهذه التجاوزات، ولكني فعلت ذلك خوفًا من الله، وخوفًا من عدم قبول صلاتي واستغفاري.

أتمنى منكم أن تفيدوني برأيكم، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على مصلحة هذا الأخ، الذي نسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يصرف عنه سيء الأخلاق والأعمال، لا يصرف سيئها إلَّا هو.

إذا كان هو الأصغر فعليه أن يحترم مَن هو أكبر، ففي الحديث: (ليسَ مِنَّا من لم يَرْحَمْ صَغِيرَنا ‌ويُوَقِّرْ ‌كَبِيرَنا، ‌وَيَعْرِفْ ‌لِعَالِمِنَا حقَّه)، كما أن إساءته ورفع الصوت على الوالدة وضرب الباب يدلُّ على أن في الأمر سوء أدب ظاهر، أيضًا تعامله معك -وأنت أكبر منه- بالطريقة المذكورة أيضًا لا يمكن أن يُقبل.

لكن مع هذا نحن لا نؤيد الاستمرار في قطيعته، خاصةً إذا كان هذا الهجر له والبُعد عنه لا يُصلحه ولا يُؤثّر عليه إيجابًا، كما أرجو أن تتفادوا أسباب توتره وغضبه، وعليكم أن تُناقشوه في أوقات صحوه، الأوقات التي يكون فيها جيداً، لتُبيّنوا له خطورة هذا المسلك.

كنّا نحب أن نعرف هل هذا التوتر مع جميع الناس أم هذا معك ومع الوالدة، ومع أهل البيت فقط؟ لأنه بحاجة إلى أن يتعامل مع الناس بأخلاق عالية، وإلَّا إذا سيتعامل بهذه الطريقة فإنه لن يسلم من كيد الناس، ولن ينجو الناس أيضًا منه، وبالتالي هو بحاجة إلى أن يُعدل هذا السلوك.

ونتمنّى أيضًا أن يكون للوالد والأعمام وللكبار في السن دور في التصحيح والتصويب، مع ضرورة أن تعرفوا أسباب هذا التوتر الذي يحدث، وكنا نتمنّى أن تذكري بعض النماذج التي حصل فيها الخصام وحصل فيها الخلاف، ولكن في كل حال: لا يمكن أن نؤيد هذا الذي حصل منه، لضرب أخته التي تكبره، والإساءة لوالدته وعدم سماع كلامها.

إذا كانت الوالدة أيضًا لا تُحدثه؛ فالأمر خطير، فعليه أن يسعى في الإصلاح، إرضاء الوالدة ثم الاعتذار لك، ونتمنّى أيضًا أن تعرفوا الأمور التي تُثير غضبه؛ لأن تفادي هذه الأمور أيضًا من الأهمية بمكان.

حبذا لو شجعتم تواصله مع الموقع، حتى نفهم وجهة نظره، ونفهم ما الذي عنده، ونساعده على تخطّي هذا السلوك الشيطاني؛ لأن الغضب من الشيطان، بل الغضبان شيطان، لأنه لا يُبصر ما أمامه، ولا يعرف عواقب الأمور التي تحصل له، حتى نعلّمه أيضًا الوصفة النبوية، فإن الإنسان إذا غضب ينبغي أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويذكر الرحمن، ويُهدئ الأركان، ويُمسك اللسان، ويهجر المكان، وإذا كان الغضب شديدًا فعليه أن يتوضأ، وإذا كان الغضب أشد عليه أن يُصلي، قال الله لنبيه: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} ما هو العلاج؟ {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}.

إذًا هو بحاجة إلى علاج، ونحن نتمنّى أن تعود العلاقات إلى وضعها، لكن مع الحذر، بحيث تكون علاقات في إطار محدود، في إطار السلام والكلام في الأمور المهمة، لأنه واضح أن التداخل معه، وأن التوسُّع في العلاقة يجلب المشكلات، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير، ونتمنّى أيضًا أن تُشجعوا استقامته وطاعته لله، وعليه أن يعرف أن هذا الذي يحدث عقوق بالنسبة للوالدة، وأيضًا قطع للرحم كونه شقيقًا لك.

نسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، ونكرر دعوتنا لتشجيع تواصله معنا، حتى نسمع ما عنده ونوجهه التوجيه الصحيح، فأمثال هؤلاء قد يسمعون ويتقبلون من الخبراء ممَّن يكبرهم سِنًّا، ونسأل الله لنا ولكم وله الهداية.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً