الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما السبيل للتخلص من الرهاب الاجتماعي؟

السؤال

السلام عليكم.

منذ صغري وينتابني القلق والرهاب الاجتماعي، بالرغم من محاولتي اليائسة للسيطرة على هذا الرهاب، فمثلا عند إجراء أي مقابلة مع أي شخص أو أكون متحدثاً ينتابني الشعور بارتفاع الحرارة وارتفاع ضربات القلب، وجفاف في الحلق واحمرار الوجه، والتلعثم أثناء الكلام يصيبني الرهاب حتى عند محادثتي أخي الأكبر مني سناً أشعر بعدم الراحة.

تقلقني مكالمة هاتفية، وتربكني، وتصيبني نفس الأعراض المذكورة، وأخاف من المواجهة بالرغم من أني حاولت مراراً وتكراراً المقاومة والمواجهة إلا أني أفشل.

عرضت نفسي على طبيبين، سلوكي ومعرفي، ولم أستفد شيئاً، أرجو مساعدتي، والله إني أموت كل يوم ألف مرة، وخاصة إذا تعرضت لموقف وانتابتني هذه الأعراض، وأحاول أن أنتقم من نفسي، كيف أكون هكذا ولي أبناء؟ كيف سأحميهم وأربيهم؟

علماً بأني إنسان ملتزم بديني، ولا أتعاطى أي شيء مضر بالصحة، وأمارس رياضتي بشكل يومي، وأحافظ على صلاة الجماعة.

أرجو مساعدتي وإنقاذ حياة إنسان من هذه الحالة اللعينة، التي أربكت كل حياتي، ودمرت نفسيتي، فقد أصاب بهذه الأعراض حتى وإن واجهت شخصاً وكان لي الحق، فتنتابني أيضاً هذه الأعراض! أرجو مساعدتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، أسأل الله لك العافية والشفاء.

أخي: إن شاء الله الموضوع أبسط ممَّا تتصور، أنت تحاول المواجهات، لكنك تفشل في ذلك، أو تجد أن الأعراض قد تكاثفت وتكاثرت عليك ممَّا يجعلك تتجنب المواقف.

المطلوب أن تتعامل مع المخاوف فكريًّا، أن تحقّرها فكريًّا، أن تُناقشها (لماذا تخاف؟ أنت لست أقلَّ من الآخرين، مَن هم أمامك ليسوا أُناسًا مختلفين، هم بشر وأنت بشر)، وهكذا، إذًا لا بد أن يكون هنالك نوع من الحوارات المعرفية حول هذا الموضوع.

الأمر الآخر: يجب أن تُطبق ما نسميه بالتعرُّض في الخيال، التعرُّض في الخيال يعتمد على أن تتصور أنك مثلاً تُخاطب مجموعة كبيرة من الناس، طُلب منك مثلاً أن تُقدِّم عرضًا، أن تلقي خُطبة، كنت في المسجد وتخلَّف الإمام عن صلاة الجمعة، وظنَّ بك الناس خيرًا، وقدَّموك للصلاة تُصلّي بهم، تتخيل هذه المواقف، بل تُطبِّقها، ويجب أن يسترسل الخيال بك لمدة لا تقل عن 15 دقيقة في كل جلسة ولكل موضوع.

هذا التعريض في الخيال إذا طبّقه الإنسان بصورة صحيحة مفيدٌ جدًّا.

الأمر الآخر: التواصل الاجتماعي هو أمر إنساني، يعود على الإنسان بخير كثير، فيه أجر في الدنيا والآخرة، حين تزور أرحامك، حين تتفقّد جارك، حين تزور المريض، حين تمشي في الجنائز، حين تحضر الأعراس، فيا أخي: هذه قيمة عظيمة، ما الذي يجعلك تتردد في المشاركة في مثل هذه المناسبات؟

الموضوع كله يقوم على المنظومة الفكرية عند الإنسان، أنت استسلمت وتطبَّعتَ على شيءٍ خاطئ، ومنذ سِنٍّ صغيرة، فيمكن أن تتغيَّر يا أخي، وأنا أؤكد لك أن قوة الحاضر أفضل من ضعف الماضي، الماضي قد مضى، أريدك الآن أن تبدأ في هذه البرامج التي ذكرتها لك.

أمرٌ آخر هو: تطوير المهارات الشخصية، أولاً يجب أن تهتمَّ بتعابير وجهك، وتذكّر أن تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، نبرة صوتك يجب أن تكون متوازنة، لغة الجسد لديك مهمَّة جدًّا، حركة اليدين مثلاً، هذه كلها فنِّيات مهمّة في أن نخاطب الآخرين.

أخي الكريم: أرجو أن تحرص على هذه الأشياء التي ذكرتها لك، وأنا أؤكد لك أن الخوف الاجتماعي ليس جُبنًا، ليس ضعفًا في الشخصية، ليس قلة في الإيمان، الإنسان يمكن أن يكون مروضًا للأسود لكنه يخاف من القِط، هذا أمرٌ مؤكد، لأن القلق والخوف والرهاب هي أمور خاصة مكتسبة، تُشفَّرُ في الدِّماغ وتُثبَّتُ ويتعايش الإنسان معها ممَّا يجعله عُرضة للمخاوف وللتوترات.

أخي: ممارسة الرياضة مهمة جدًّا، خاصة الرياضة الجماعية، أو حتى الرياضة الفردية، أن تطبق تمارين الاسترخاء، نحن دائمًا نوصي بها، هذه مهمة جدًّا، أن تكون مرتبطًا بالالتزامات الاجتماعية والواجبات الاجتماعية، زيارة أرحامك، تلبية الدعوات، تقديم واجبات العزاء، هذه كلها مهمة، وفي مجال عملك، أنت تعمل معلِّمًا يا أخي، هذه فرصة عظيمة لك للتفاعل الاجتماعي.

إذًا هذه هي العلاجات السلوكية، بعد ذلك يأتي العلاج الدوائي. عقار (سيرترالين) لا غبار عليه، من أفضل الأدوية، لكن الأدوية تتطلب الالتزام، وأن تكون الجرعة صحيحة.

السيرترالين، تبدأ بجرعة نصف حبة يوميًا – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة لمدة شهرٍ، ثم تجعلها حبتين لمدة شهرين، ثم تجعلها ثلاث حبات – أي مائة وخمسين مليجرامًا – لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

كما أنه يمكن أن تدعم عقار السيرترالين بعقار آخر يُسمَّى (إرببرازول)، ويُسمَّى تجاريًا (إبليفاي)، وهو يُوجد في جرعة 15 مليجرام، 5 مليجرام، و10 مليجرام.

بالنسبة للجرعة التدعيمية هي خمسة مليجرام فقط، خمسة مليجرام يوميًا ستكون جرعة ممتازة جدًّا كداعمة لعقار السيرترالين. ويمكنك – يا أخي – أن تستمر على الإرببرازول، وبجرعة الخمسة مليجرام – أي الجرعة الداعمة – لمدة أربعة أشهر، ثم تجعلها خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله.

الـ (إرببرازول) يُفضل تناوله صباحًا، لأنه دواء قد يرفع قليلاً من مستوى اليقظة عند الإنسان، ممَّا قد يؤدي إلى صعوبات في النوم إذا أُخذ ليلاً في بعض الأحيان، وإن كنت لا أتوقع ذلك مع هذه الجرعات الصغيرة، لذلك يُفضَّل تناوله في النهار.

إذًا – يا أخي – هذه أدوية فاعلة، وسليمة، وبالنسبة للسيرترالين: ربما يفتح الشهية قليلاً نحو الطعام، كما أنه قد يؤدي إلى تؤخر في القذف المنوي عند الجماع، ولكن ليس له أي ضرر على الصحة الإنجابية أو الذكورية عند الرجل.

أخي الكريم: أرجو أن تأخذ بهذه النصائح والتوجيهات الإرشادية العلاجية متكاملة، خذ ما هو نفسي، وما هو إسلامي، وما هو اجتماعي، وما هو دوائي، واجعلها في سلة واحدة، وطبقها بقدر المستطاع، لأن ذلك سيعود عليك بنفع كبير، إن شاء الله تعالى.

وللفائدة راجع هذه الروابط: (2407088 - 2286299 - 2416172 - 2230509 - 2359821).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً