الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس أن الوساوس غيرت عقيدتي وتفكيري.. أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا صاحبة الاستشارة 2463993، أود أن أشكركم على مجهوداتكم جزاكم الله عنا خير الجزاء.

كان قد نصحني الدكتور محمد -جزاه الله خيرا- بأن أحقر الأفكار التي تأتيني، وأحاول أن أربطها بشيء أكرهه.

أنا الآن أعرض عنها، ولكنها تحزنني كثيرا، وألوم نفسي أني وصلت لهذا الحال، في الحقيقة أرى أني تعديت هذه المرحلة بكثير لم تعد مجرد أفكار، وإنما أحس أن عقيدتي وتفكيري يتغير، ولا أدري، هل يحاسبني الله على ذلك رغم أني أجاهد نفسي، ولكني لم أستطع أن أعود كما كنت، أريد ولكن كأن هناك حاجزا أنا أركض لأصل، ولكن بدون جدوى.

هل يمكن أن يكون قلبي هو الذي فسد رغم أني لم أترك طريق الله وعبادته؟ هل عندما أتتني الأفكار في أول مرة لم أحسن مقاومتها هي التي أثرت في عقيدتي.

أحس أني مكتوفة، لا أستطيع فعل شيء كي أنقذ نفسي مما أنا فيه، أنا دائما في صراع مع نفسي، وأصبحت لدي اضطرابات كثيرة، أرشدوني ما الذي علي فعله من الناحية الدينية، كيف أقوي عقيدتي ويقيني، كما كانت من قبل؟

بارك الله لكم، وجعله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة الزهرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أختنا الكريمة، وردا على استشارتك أقول:
يبدو أنك تعانين من آثار الوساوس فإنها وإن انتهت لكن يبقى أثرها في النفس بطريقة لا يستطيع الشخص أن يعبر عنها، ولكنها ستزول بإذن الله تعالى، والمهم هو أن تستمري باحتقار الوساوس في حال ورودها مرة أخرى، ولا تسمحي لها بالدخول إلى عقلك، ولا تحاوريها، وبادري بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وانهضي من المكان الذي أتتك وأنت فيه، ومارسي أي عمل يلهيك عنها.

لا تستسلمي للأفكار السلبية، وستعود أمورك إلى طبيعتها بإذن الله تعالى إن قمت بما يأتي:
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح المتنوع من صلاة وصوم وتلاوة للقرآن وذكر لله تعالى، فإن قوة الإيمان مع العمل الصالح تستجلب للعبد الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

لا عقيدتك تغيرت ولا تفكيرك تغير، ولكن هذه من تداعيات الوسواس فلا تعيرها أي اهتمام، بل هي من ضمن الأفكار الوسواسية، والتي ينبغي أن تحتقريها وان تتجهي لإصلاح نفسك وترتيب أعمالك في مجال العبادات وتقوية الإيمان.

أدي الصلوات في أول وقتها، واجتهدي في الدعاء أثناء السجود، وسلي الله تعالى أن يصرف عنك وساوس الشيطان الرجيم، وأن يرزقك قوة الإيمان، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

احذري من الرسائل السلبية مثل قولك أحس أني مكتفة، ولا أستطيع فعل شيء فإن مثل هذه الرسالة يستقبلها العقل، ويأمر بقية الأعضاء بالتفاعل معها، فإن بقيت على هذا، فلن تستطيعي فعل شيء، وإن محوت هذه الرسالة، وقلت إني قادرة على التخلص من هذه الوساوس، مع الاستعانة بالله تعالى ستنجحين بإذن الله تعالى.

اجتهدي بكثرة الذكر فذلك مما يطرد الشيطان ووساوسه كما قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

لا تظهري للشيطان ضعفك من خلال الإصغاء لوساوسه، فمن أصغى لها افترسه، ومن لم يصغ لها تركه، وأنت وإن كنت قد وقعت في الضعف إلا أنك بإمكانك ترك ذلك، فاستنهضي قواك، واستجمعي صفاتك، وأبيني له قوتك.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.
++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. عقيل المقطري المستشار التربوي والشرعي، وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
+++++++++++++++++++++++++
نرحب بك وأحييك مرة أخرى في الشبكة الإسلامية، وحقيقة أشكر لك ثقتك في هذا الموقع، وفي الاستشارة السابقة، والتي أجبتُ عليها قبل عشرين يومًا تقريبًا أسديتُ لك الكثير من النصائح التي يجب اتباعها حين يتعامل الإنسان مع الوساوس القهرية، وطبعًا لا نتوقّع تغييرًا آنيًا وسريعًا، ابدئي في الخطوات العلاجية، وإن شاء الله تعالى سوف يأتِ التغيير.

وفي حالتك العلاج الدوائي حقيقة مهمٌّ جدًّا، وأرى – والله أعلم – أنه يصل لمرحلة الوجوب؛ لأنه (ما جعل الله من داء إلَّا جعل له دواء، فتداووا عباد الله) و(تداووا) بصيغة الأمر، وهذا حقيقة أمر واجب، والدواء من أفضل وأنجع أنواع العلاج.

الفلوكستين الذي وصفناه لك دواء رائع ودواء مهم، ويجب أن تتبعي كل الخطوات الدوائية العلاجية، وأن تُدعميه أيضًا بعقار (رزبريادون).

أنا أعتقد أن الصراع الوسواسي الذي تعانين منه الآن يتطلب العلاج الدوائي؛ لأن العلاج الدوائي سوف يضعف هذه الوساوس، وسوف يُفكِّكها، وبعد ذلك سوف تطبقين إن شاء الله تعالى الآليات السلوكية التي ذكرناها لك.

أنا أعتقد أن في حالتك يتطلب الأمر هذا العلاج الدوائي؛ ولا شك في ذلك، والخطط العلاجية الأخرى التي ذكرناها يمكن أن تبدئي في تطبيقها، لكن بعد أن يضعف الوسواس من خلال تنظيم كيمياء الدماغ، وحتى مخاوفك التي ذكرتِها في هذه الاستشارة، وهو أنك دائمًا في صراعٍ نفسي، وأنك الآن لا تعرفين الوسائل التي تقوّين بها عقيدتك، وأصبحتِ في حالة من الحزن؛ لأن الشكوك تُساورك حول عقيدتك، لكن كلّ هذا من الوسواس، أنا أؤكد لك ذلك، إن شاء الله عقيدتك سليمة، عقيدتك صحيحة، والأمور إن شاء الله تعالى سوف ترجع إلى ما كانت عليه قبل الوساوس، وأسأل الله تعالى أن يزيدك في الطاعة والإيمان والتمسُّك بدينك.

وأنا أتوقع منك التواصل بعد شهرين من بداية تناول الدواء، لتُبشِّرينا -إن شاء الله تعالى- بالمراحل الطيبة التي وصلت إليها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً