الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اكتئاب شديد يقودني للانتحار فماذا علي أن أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالب صيدلة في السنة الرابعة، منذ دخولي لسن المراهقة بدأت علي علامات الاكتئاب والانعزال الاجتماعي، وإحساس بالاغتراب، وقد حاولت الانتحار في سن ١٧ عاما، ولكني فشلت، ورفضت الذهاب إلى الطبيب النفسي، وقلت إنها مجرد اندفاعة هوجاء.

مرت السنوات، وحاولت التعامل مع الاكتئاب، فأنا متفوق دراسيا، وأغلب وقتي أقضيه في المنزل، لدي بعض المعارف الاجتماعية، وأستطيع التعرف على الناس، في السنة الأخيرة زاد علي الاكتئاب كثيرا، وبدأت علاماته الجسدية والنفسية تظهر علي، مثل: عدم الرغبة في فعل أي شيء، تخدير كامل في الجسم، اضطرابات في النوم والشهية، وعدم القدرة على التركيز في أي شيء، إحساس كامل بالتشتت والضياع، قلق رهيب من كل شيءٍ، كراهية للذات، وانعزال عن البشر، تفكير يومي في الانتحار، ولكن ما يمنعني شيئان: الخوف من الله، وعدم إدخال الأذى على أسرتي، وطبعا لدي اضطرابات في الساعة البيولوجية، فمهما حاولت لا أستطيع النوم في وقت معين.

منذ أسبوعين تحول نومي من الليل إلى الصباح، حتى أنني أذهب إلى الامتحانات مستيقظا، وأقلب يومي، ذهبت لطبيب نفسي، وكتب لي (سبراماكس ٢٠ مج) منذ ٣ أشهر، ساعدني قليلا في موضوع القلق والقلق الاجتماعي، ولكن لم يساعدني في الاكتئاب، أو التشتت، أو عدم الرغبة في فعل شيء.

أنا من الأوائل على دفعتي، ولكني مؤخرا فقدت الرغبة في فعل أي شيء، وزاد سرحاني، وأفكار اليقظة، حتى أنني لا أفعل أي شيءٍ سوى النوم، وسماع الموسيقى، والاستمناء، وأحلام اليقظة، لا أرغب في الحياة، وأرغب في الانتحار، ولكن كما قلت الخوف من الله فقط يمنعني، وأدخن الحشيش أحيانا لأنه يساعدني في تمضية الأيام، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.

أنت عبّرت عن مشاعرك بصورة واضحة وجليّة، وبدأت العلاج الدوائي، وكان هناك تحسُّن بسيط، وهذا التحسُّن البسيط متوقع، لأن مرضك من وجهة نظري ليس مرضًا بيولوجيًّا، يعني لا أعتقد أنه اكتئاب مرتبط بكيمياء الدماغ، من الواضح أنه اكتئاب ظرفي انفعالي وبيئي، وربما يكون متعلِّقًا بشخصيتك، وطبعًا أنت تحتاج للتغيير المعرفي كأساس علاجي رئيسي جدًّا.

تحدَّثتَ عن أشياء كثيرة سلبية، وتشاؤمية، وعليك أن تنظر في الجانب الآخر، وهي الأشياء الإيجابية. كلّ ما ذكرته من سلبيات يُوجد ما يُقابله من إيجابيات، وأنت شاب، والله تعالى حباك بمقدرات كثيرة، بالإدراك، بالمعرفة، بالجسد الصحيح، وأنت في هذه السِّنِّ الجميلة الطاقاتُ تكونُ لديك موجودة، أقصد بذلك الطاقات الإيجابية، لكنّها قد تكون كامنة ومختبئة، ويجب أن تُخرجها، وأن تُوظفها التوظيف الصحيح، ترتيب مسارات حياتك سينتشلك -إن شاء الله تعالى- من هذا الوضع الغير مُرضي بالنسبة لك.

موضوع الاستمناء وأحلام اليقظة والحديث عن الانتحار وتدخين الحشيش أحيانًا، قطعًا هذه كلها عوامل سلبية تصبُّ في مجال تغذية الضجر والكدر وعُسر المزاج. الحشيش حتى وإن أشعرك بشيء من الاسترخاء في لحظة تدخينه، لكن قطعًا على المدى البعيد يضرُّ كثيرًا بالخلايا الدماغية والمسارات الكيميائية الدماغية، وينتج عن ذلك الشعور بالضجر وعُسر المزاج وربما الاكتئاب، فإذًا الارتقاء بنفسك وتصحيح مساراتك السلوكية أمرٌ ضروري جدًّا.

الأمر الآخر هو: الحرص على تحسين ساعتك البيولوجية من خلال الانضباط في إدارة الزمن، من أجمل الأشياء أن ينام الإنسان مبكِّرًا ويستيقظ مبكِّرًا، ويبدأ يومه ونشاطاته بعد صلاة الفجر، لأن هذا الوقت فيه خيرٌ كثير، فيه بركة، وتكون المواد الدماغية الإيجابية في حالة نشاط واستقرار تامّ، وأؤكد لك أني لم أرَ إنسانا يستفيد من الصباح ولديه مشكلة نفسية أو اجتماعية، هذه خطوة مهمة يجب أن تتخذها.

والدراسة في فترة الصباح لمدة ساعة مثلاً قطعًا ذات قيمة استيعابية كبيرة جدًّا، في أحد الدراسات أُشير أن المذاكرة لساعة واحدة في فترة الصباح الباكر تُعادل على الأقل ساعتين ونصف في بقية اليوم، والإنسان حين يُنجز في الصباح يجد أنه يتقبَّل بقية اليوم بارتياح شديد وأريحية طيبة.

عليك بمجالسة أصحاب الهمم العالية من الصالحين، الذين يشعرونك بالهدف العظيم الذي خلقت من أجله، وهو أن يعيش الإنسان في الدنيا كما أمره الله، فأنت في حالتك هذه مأمور بالصبر، وتذكر الجزاء العظيم الذي أعده الله للصابرين (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

والملائكة حينما تستقبل أهل الجنة تقول لهم: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) فينبغي لك التذكر بأن هذا ابتلاء، وما المطلوب؟ أن تصبر وتحاول تغيير بيئتك، حاول أن تجالس الصالحين الذين يربطونك بالله، وحينها سيزداد منسوب الإيمان في قلبك، وترضى بما كتب الله لك، وقد تتغير حياتك للأفضل بمجالسة أصحاب الإيمان واليقين، وعليك أن تقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات فراغك، وأنصحك بكتاب (الرحيق المختوم) للمباركفوري، ثم تقرأ في سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف صبروا في الدنيا حتى لاقوا الله تعالى.

الجانب الروحي مهم جدا في علاج هذه المشاكل، لأنها أمراض نفسية، وأكبر علاج لها هو التفكر في ملكوت الله وفي قدرته، وتفكر كيف يدبر أمور أهل الأرض وأهل السماوات، حينها سيمتلئ قلبك بالله، ولن يجد مكانا شاغرا للأوهام والقلق والتوتر، هذا جانب مهم أوصيك به، وقد غفل عنه كثير من الناس.

فيا أخي الكريم: اجعل هذه مناهجك، وكن أكثر تفاؤلاً، وتخلص من الفكر السلبي المشوَّش، وعليك بالرفقة الصالحة، فالإنسان يحتاج لمن يأخذ بيده.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً