الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصاب باكتئاب شديد مع ماض بعيد فيه عن الله، فكيف الحل؟

السؤال


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعاني منذ سنوات من اكتئاب شديد وصل بي إلى محاولة إيذاء نفسي؛ لأتخلص من آلامي النفسية ولكن تلك الشعرة التي تربطني بالله عز وجل لم تجعلني أقدم على أقبح فعل وهو الانتحار، فإيماني بمشيئة الله وقدره منعتني من ارتكاب تلك الحماقة، ولكني ضعيف الشخصية والإرادة، أعاني الخوف الشديد، عديم الثقة على الرغم من نجاحي في عملي، وأنال استحسان من يرأسونني إلى جانب الزملاء، ولكن وصل بي الأمر إلى أن أصبحت أكره كل شيء وأخاف من الجميع.

ليست لدي القدرة على الاندماج خاصة وأنني مقيم ببلد أجنبي، وقد حصلت على عدة جلسات مع أخصائي اجتماعي والطبيب المعالج والذي أعطاني (Efexor) بدأ ب10 MG ثم وصل بنا الأمر إلى 150MG يومياً، وقد قاربت على قرابة العام، ولكني مازلت خائفاً إلى جانب الآلام الجسدية.

وبدأت الإدارة تتبرم وتطالبني بتقديم استقالتي لعدم استطاعتي أداء عملي على الوجه الأكمل الذي تعودوه مني، ولكني في انتظار فرج الله بعد أن يئست من مساعدة نفسي خاصة وأن المعالج غير مسلم ولا يحب الإسلام، كما وإني حبيس هذه القرية التي حاولت الفكاك منها إلى أخرى ولكن لا سبيل فليس كسلاً أو استسهالاً، ولكنه واقع أعانيه عشر سنوات وأنا حبيسها ولا فكاك، اللهم لطفك وعفوك.

للأمانة لم أعمل خيراً قط، لم أصم رمضان حتى عندما كنت صغيراً وبين أهلي بالقاهرة أدعي أني صائم ثم أذهب إلى غرفتي سراً لآكل، أعلم أن الله يراني ولكني لم أقدر يوماً على إتمام صيام يوم واحد في رمضان، كلما حاولت فإذا بي وأحياناً قبل الإفطار بساعة أو أقل أفطر لعدم القدرة على الصمود للوقت المتبقي، وأظل طوال العام خائفاً في انتظار رمضان، على الرغم من حبي للصلاة، ولكني أراني منافقاً فأتوقف عن الصلاة وأرتكب الذنوب كبيرها وصغيرها، ثم أعود فأتوب، فأتذكر رمضان وأعلم أني لن أصوم فأرجع إلى ما كنت فيه، ولكني أفتقده فأنا أحبه وأحب لقاءه ولكنها دائرتي المفرغة ولا مناص.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم‏
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،‏

لا شك أن الاكتئاب النفسي يجعل الإنسان يفكر بصورةٍ سلبيةٍ، ويقلل أو يهون من مقدراته، وهذا يمثل ‏‏معضلة حقيقية في كثيرٍ من الحالات، ولذا دائماً نحاول أن ننبه الإخوة والأخوات على ضرورة أن يقيّم ‏‏الإنسان نفسه بصورةٍ إيجابية، وألا يترك السلبيات تسيطر على تفكيره، وكثيراً من الناس يقللون من ‏‏قيمتهم، ولكن بعد أن يزول الاكتئاب يكتشفون أنهم يتميزون بأشياء إيجابية كثيرة لم تخطر على بالهم ‏حين ‏كان الاكتئاب مطبقاً عليهم، والنظريات الحديثة تُشير إلى أن التفكير الإيجابي هي خير وسيلة لإزالة ‏‏الاكتئاب والتغلب عليه، فأرجو يا أخي أن يكون هذا هو خط العلاج الأول بالنسبة لك، وأرجو أن ‏‏تتذكر إيجابياتك، وأن لا تستسلم مطلقاً، وأن لا تهون أو تقلل أو تحقر من قيمتك الذاتية، هذا ‏منطلق ‏أساسي في العلاج.‏

الحمد لله الذي جعلك تعرف أن الاكتئاب من أقبح الأفعال، والحمد لله الذي جعل إيمانك بالله قوياً، ‏‏والحمد لله الذي جعلنا في أمةٍ إسلامية وفي عالمٍ إسلامي لا يمثل الانتحار مشكلة حقيقية بالنسبة لنا كما ‏هو في ‏الغرب، فالإحصاءات تدل على أن الدين يمثّل الوقاية الرئيسية من الانتحار النفسي، وقد تحدثنا كثيراً مع ‏‏زملائنا الأطباء غير المسلمين في هذا السياق، وقد ازدادت قناعتهم أن الدين الإسلامي يعتبر من الأشياء ‏‏التي تقي الإنسان من الانتحار.‏

ما ذكرته حول عدم التزامك السابق بالواجبات الشرعية والواجبات الدينية هو بالتأكيد أمرٌ من الماضي، ‏‏ونسأل الله أن يغفر لنا ولك، ومن رحمة الله تعالى أن التوبة تجب ما قبلها، فأنت والحمد لله ‏مسلم منذ ‏نشأتك، وإن كانت هنالك بعض المخالفات وعدم الالتزام، فالأمل موجود، فقط عليك أن ‏تبدأ الآن، ‏والإنسان مهما أخطأ فالتوبة أعظم، وخير الخطائين التوابون، فيجب أن تلتزم بالصيام ‏والصلاة وكل ‏العبادات المطلوبة من المسلم، وصدقني أنها سوف تزيد من طمأنتك ‏وقوتك الذاتية، ‏واعتبارك لنفسك، وستجد أن الاكتئاب والخوف قد بدءا في الاضمحلال، فبذكر الله ‏تطمئن القلوب.‏

فيما يخص العلاج الدوائي، يعتبر (الإيفكسر) من الأدوية الممتازة جداً لعلاج الاكتئاب النفسي، لكنه لا ‏يُساعد ‏كثيراً في إزالة الخوف، وجرعة 150 مليجرام من (الإيفكسر) تُعتبر جرعة علاجية جيدة، وربما ‏يكون من ‏الأفضل أن تستبدل (الإيفكسر) بدواءٍ آخر يُعالج الاكتئاب وفي نفس الوقت يُعالج المخاوف ‏أيضاً، ‏والدواء الذي أود أن أصفه لك يُعرف باسم (زيروكسات)، وهو معروفٌ في أوروبا، وجرعة البداية ‏هي ‏‏10 مليجرام في اليوم أي نصف حبة، تستمر عليها لمدة أسبوعين، ثم ترفعها بعد ذلك بنفس المعدل ‏أي ‏نصف حبة كل أسبوعين، حتى تصل إلى حبتين في اليوم، وتستمر على هذه الجرعة لمدة ثمانية أشهر، ‏ثم ‏تبدأ في تخفيض الجرعة بنفس المعدل، أي نصف حبة كل أسبوعين، حتى تتوقف عن العلاج، وحين ‏تبدأ ‏في تناول (الزيروكسات) أي نصف حبة، عليك أن تخفض (الإيفكسر) بمعدل 37.5 مليجرام كل ‏‏أسبوعين، حتى تتوقف عنه؛ حيث أن المقصود هو أن تستبدل (الإيفكسر) بـ(الزيروكسات)، وهذا يتم ‏‏بالإيقاف التدريجي (للإيفكسر) والبداية التدريجية أيضاً (للزيروكسات).‏

لا مانع من أن تستشير طبيبك حتى وإن لم يكن مسلماً، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق ‏‏الناس بها .‏

عليك -يا أخي- أيضاً أن تتواصل مع الإخوة في المنطقة التي تعيش فيها في هولندا، والحمد لله الآن توجد ‏‏جاليات إسلامية في كل هذه البلدان، ويا حبذا لو ذهبت إلى المسجد أيضاً حيث الرفقة الطيبة ‏والمساندة ‏والتدعيم من الإخوة الآخرين.‏

وبالله التوفيق.‏

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً