الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين زوجتي وأمي

السؤال

زوجتي إنسانة فاضلة وتحبني، ولكن مشكلتي تكمن في شيئين هما:
حب أهلي الشديد لي وخاصة أمي، وأيضاً اهتمام زوجتي بالحسد بشكل مرضي، فكل مكروه يحدث يكون مرده أن عين فلان من أهلي أو من جيراننا أو حتى من أهلها هي السبب، وهكذا تم اختصار كل المقدرات والأحداث إلى الحسد، وكأنه -وليس الله سبحانه وتعالى- هو المتحكم في أقدارنا ومصائرنا وأحداث يومنا.

وبخصوص المشكلة الأولى فأنا لا أنكر أن أمي تحدث بعض المشاكل بسبب غيرتها من زوجتي، وخاصة في فترة الـ15 يوم التي تقيم فيها لدينا كل 45 يوم، حيث أننا نتناوب استضافتها في بيوتنا أنا وإخوتي بعد وفاة والدنا.

وتكمن هذه المشاكل في ضيق يظهر على وجه أمي من خروجي أنا وزوجتي لقضاء شيء، أو لإصرار أمي على طبخ الأكل بطريقة معينة ..الخ من هذه المشاكل التي أراها، وبالرغم من أنها مستفزة إلا أنها يمكن التغاضي عنها بسبب أن زوجتي في النهاية تجدني أقف في صفها في وجه أي إهانة مباشرة (وهو ما لا يحدث من أمي إلا قليلاً) وأدافع عن زوجتي حتى النهاية دون أن أهين أمي، أما المواقف التي يكون كلام أمي غير مباشر أو يحتمل عدة معاني فلا يكون لي موقف.

والمشكلة الآن أن زوجتي تحيل حياتي إلى جحيم بسبب تحدثها عن أمي في كل وقت وعن كره أمي لها، وعن المشاكل التي تسببها أمي لها، والكلمات التي تؤذيها بها، وعن عين أمي التي تحسدها هي وبناتي ...إلخ بشكل أصبحت أكره فيه التواجد مع زوجتي في البيت، وهكذا لا أجد راحتي في عملي لما أعانيه من مشاكل وديون لبوار تجارتي، والحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها مصر حالياً، وكذلك لا أجد راحتي في بيتي الذي تستقبلني زوجتي فيه بمدى معاناتها، حتى أصبحت هذه وصلة يومية حتى في باقي الأيام الأخرى التي تبتعد فيها أمي بمشاكلها وتذهب لبيوت باقي أخواتي، وأظل أقول لها: لقد مشت، ألم يئن الوقت الذي نستمتع فيه بحياتنا حتى تحل علينا أمي مرةً أخرى؟ ولكن لا مجيب.

فكل موضوع نتحدث فيه لابد من إقحام أمي فيه حتى كرهت عيشتي، وكرهت حياتي في بيتي، وأدعو الله أن يكرمني بالموت بعد سداد ديوني حتى لا أترك زوجتي وأولادي والديون متراكمة عليهم بسببي.

أنا حائر الآن بين رأي زوجتي من أنها تتحمل الجزء الأكبر من المشاكل، وأنني أناني وظالم أن أستكثر عليها حتى بالشكوى، رغم أن الأمر يتعدى موضوع الشكوى بكثير، أيضاً أنا أسمع من زوجتي -وهي للأسف شديدة العصبية والحساسية- الكثير من الألفاظ التي تؤذيني على أمي وأهلي، والتي قد تصل إلى حد الدعوة عليهم بالمصائب والموت ...الخ، كما تؤذيني تذكيرها لي بعين أمي وإخوتي التي تحسدها وأبناءها بالرغم من تأكدي أن بعض هذه الأحداث ليست بسببهم، ولا تعدو أكثر من مصادفة.
وأسئلتي تتمثل في:
1- الآن كيف أستمر في البر بوالدتي التي أحبها رغم تصرفاتها الغير مسئولة أحياناً ؟ وكيف لا يكون ذلك على حساب زوجتي؟

2- هل علي وزر من أن أسمع من زوجتي هذه الألفاظ التي تقولها على أهلي، علماً بأنني لا أصمت ودائماً ما أرد عليها ولا أحتمل ذلك على أهلي مما يثيرها أكثر وأكثر؟

3- هل الحسد بالرغم من إيماننا به كمسلمين ذو قوة جبارة بهذا الشكل الذي تصوره زوجتي؟ وما هو الحل لتلافيه ومجابهته؟

4- هل في كل ما سبق أنا ظالم لزوجتي التي أحبها، أو بأمي التي أريد البر بها، وقربي الديني لربي في الفترة الأخيرة جعلني ألتمس لها بعض العذر، خاصةً ما قرأته عن ذلك الرجل الذي كان يمر على أمه وأبيه ليسقيهم اللبن قبل أولاده، وفي يوم ما وجدهم نائمين فظل ينتظرهم حتى استيقظوا فسقاهم قبل أولاده ونام أولاده جائعين؟

شكراً لكم ومعذرةً على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله العظيم أن يعينك على البر بوالدتك، وأن يجنبك ظلم زوجتك، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية.

فغالباً ما توجد غيرة بين الأم وزوجة الابن؛ لأن الأم تشعر أن الزوجة جاءت لتشاركها في حب ولدها وفي جيبه، وتزداد هذه الغيرة إذا كان الولد محبوباً عند أمه لكونه الأصغر أو الأكبر، وتتعقد المشكلة إذا شعرت الأم بتغير في تعامل ابنها معها، ولابد أن يكون الزوج حكيماً حازماً عاقلاً، وعليه أن يُعلم زوجته أن منزلتها تزداد في قلبه بمقدار احترامها لأمه التي هي أم الجميع، وهي صاحبة الفضل بعد الله، وعليه هو أيضاً أن يقابل أهل زوجته بالاهتمام والاحترام، وهذا حقٌ مشترك بين الزوجين، ومهما كان في الأهل شر أو سوء فهم في النهاية رحم الإنسان وقرابته، ويمكن للإنسان أن يجد زوجة بل زوجات ولكنه لن يجد أماً أو أختاً أو أخاً.

وعليكما إظهار المشاعر الطيبة وإخفاء المشاكل عن الأهل عموماً، وعن الوالدة خصوصاً، فهي أكثر من يتأثر إذا شعرت أن ابنها غير مرتاح، أو أن أمواله تضيع، وربما كان في الناس أشرار يشعلون النيران.

وأرجو أن تتجنب الثناء على زوجتك أو إظهار مشاعر الود في حضرة الوالدة، بل ينبغي أن ينصب اهتمام الجميع بهذه الأم، والوالدة عادةً يرضيها الشيء اليسير مثل تقديمها في الطعام والشراب، ووضع الأشياء بين يديها لتقوم هي بتوزيعها على ابنها وزوجته وأحفادها، والصواب أن يكون المكان الجميل ومقدمة السيارة من نصيب الأم؛ حتى تشعر أن مكانتها محفوظة.

والأمور الخاصة يمكن تأجيلها لحين انصراف الوالدة، وأفضِّل أن تصطحبوا الأم في بعض الأحيان، ولن يضركم ذلك شيئاً، وسوف يعيد للوالدة الثقة والمكانة، ويقطع الطريق على وساوس الشيطان والظنون السيئة.

وأرجو أن تقلل الزوجة من حديثها عن والدتك، خاصةً وهي تعلم أنك تقدرها وتقف في صفها، وعليك أن تبين لها أنك تقدر صبرها واحتمالها للأم وهي كبيرة السن، وتخطئ كثير من الزوجات حين تستقبل زوجها بالمشاكل والشكايات وهي لا تعرف حاله، فقد يكون جائعاً أو متعباً، وإذا كان الإنسان كذلك فإنه مهيأ للانفجار، وعلاقة الجوع بالغضب والتوتر ظاهرة، والإنسان يدخل بيته ليستريح من صعوبات الحياة وأزماتها وليس معنى ذلك أن تكتم الزوجة آلامها في جوفها، ولكن عليها أن تختار الأوقات المناسبة وتنتقي الألفاظ التي لا تجرح، ووخز اللسان أحد من وخز السنان، وتراكم الغضب يولد الانفجار، والكلمات الجارحة قنابل في طريق الحياة الزوجية.

وعلينا أن نراجع إيماننا بالله، فإن الخير بيده سبحانه، وهو الضار النافع، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضرونا بشيءٍ لن يستطيعوا إلا بشيء قد كتبه الله علينا، قال تعالى: (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))[التوبة:51].

ثم ما هي مصلحة هذه الأم في الأذى الذي يصيب زوجة ولدها وأبنائه؟! ويحرم على الإنسان أن يتشاءم من الناس، وعلينا أن نواظب على أذكار الصباح والمساء، ونحصن أنفسنا والأبناء والأموال بذكر الله وتلاوة كتابه، وخاصةً المعوذتين وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، وإذا لم يذكر الإنسان ربه ويبارك فقد يضر نفسه ويصيب أولاده ويهلك أمواله، فعلينا أن نحرص على ذكر الله فهو عاصم لنا من كل سو وشر، وليس صحيح أن نسبب كل شر للحسد ونتهم الناس.

ونوصيك يا أخي بزيادة البر لهذه الوالدة، وحذاري من أن تقول لها أفٍ أو تحد نظرك إليها أو تحزنها بشيء، ونحن نحتاج لمزيدٍ من الصبر خاصة إذا كبر أحد الوالدين أو كلاهما، وإذا لم تغضبها فلست بعاقٍ لوالدتك.

وعليك أن تطلب العلم الشرعي، وتعلم هذه الزوجة أحكام العقيدة والمعاملات الحسنة التي ترضي الله، وعليكما بصحبة الأخيار، فبعض النساء تفسد على الرجل زوجته، ووسائل الإعلام بكل أسف تحرض ضد (الحموات) ولكن المؤمنة تحترم كل كبيرة في السن، فكيف إذا كانت هي أم الزوجة؟ ولتعلم هذه الزوجة بأن الله عدل، وكما تدين تدان.

فلن تنالوا البر عند أولادكم إلا إذا كنتم بررة بهذه الوالدة والآباء والأمهات، وأرجو أن تكون هذه المناقشات بعيدة عن البنين والبنات.

ولا نطالبك بالسكوت إذا أساءت هذه الزوجة لأمك، ولكن الشر لا يقابل بمثله، وإلا فنحن نضيف الشر إلى الشر ونزيد النار اشتعالاً، ولكن الصواب أن تعبر عن ذلك بوسائل أخرى كالخروج من المنزل أو السكوت وعدم الكلام مع الزوجة؛ حتى تعتذر وتستغفر الله، والزوج له أسلحة كثيرة يستطيع أن يستخدمها، أما إذا قابلت الشتائم بمثلها فمن أين تجد هذه الزوجة القدوة الحسنة، واختر لردودك الأوقات المناسبة، ولأن المرأة تتكلم ضعف ما يتلكم به الرجل فأرجو أن تكون مستمعا جيدا، والمرأة تتكلم لتفرغ ما في نفسها وتركز على التفاصيل الدقيقة عند عرضها للمشاكل بخلاف الرجل.

واعلم أن الحرص على طاعة الله والتوجه إليه والمسارعة بالخيرات هي أعظم الوسائل لإصلاح البيوت، قال تعالى: (( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ))[الأنبياء:90] وتذكروا أن للمعاصي شؤمها وخطرها، وكما قال سفيان رحمة الله عله: "والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وفي خلق امرأتي".

وإذا تأكد لك أن الأم ظالمة فعليك أن توجهها بلطف وأدب.
أسأل الله لكم دوام التوفيق وزادك الله براً بوالدتك، ورزقكم الصبر الجميل، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً