الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وسوسة عن الموت متكررة، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أولاً: أحب أن أبشركم بأنني بدأت أترك الإباحية، وأتعافى منها، وأصبحت أحب التعلم كثيراً، وأنا في اليوم السادس من تركها أرجو دعاءكم لي بالهداية، ونفع الإسلام والمسلمين.

ثانياً: لدي بعض المشاكل أريد أن أتخلص منها، وأرجو من الله أن تكونوا سبباً في حلها، وهي أنني بعدما تركت الإدمان الخاص بالعادة السرية اليوم قرأت مقالاً عن شخص في رحلة التعافي، وكان ينفع الناس، فمات بعد موت صديقه الصالح كذلك، وأن ذلك الشخص مات وهو يراجع سورة البقرة، وكان يهدف لحفظ القرآن الكريم، وطبعاً بحكم وسواسي السابق في الموت، وبحكم أنني وضعت أهدافاً، وسأبدأ في تحقيقها إن شاء الله أتتني وساوس أنني إن أصبحت صالحاً فسأموت بعمر مبكر.

الشهر القادم سأصبح ١٥ سنة، إن شاء الله، وهذه الفكرة حقاً ترعبني، فالحمد لله لدي طاقات جيدة، من الممكن أن تفيد الإسلام والمسلمين، ولكن لدي هذه الوسوسة، وأيضاً لدي مشكلة وهي أنني عندي ذاكرة جيدة، وأحفظ (لو ركزت) بسرعة جيدة أنني في أثناء الحفظ عندما أحفظ بسرعة أقول: ما شاء الله، خوفاً من أن أحسد نفسي، ومن أي فعل صحيح أفعله أقرأ المعوذات لاجل أن لا أحسد نفسي أو أحد يحسدني.

هذا يؤثر على ما أفعل، ويزعجني أنني مرات كثيرة أقرأ المعوذات لأجل النجاة من الحسد، وليس مرة واحدة.

لدي مشكلة أخرى، وهي، وسواس الكفر، مثل أنني إذا فكرت بأني عجوز وأتخيل أني أنصح نفسي الحالية، أو أقول نصائح وأنا عجوز لنفسي الحالية، فأخاف أن يكون كفراً، وتخيلوا أني أعيدها كثيراً، ففي اليوم الواحد أحياناً أكثر من ١٠ مرات.

أرجو حلاً لهذه المشاكل، وهدانا وهداكم الله إلى ما يحب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، ونهنؤك على ترك تلك الأفعال الإباحية، نسأل الله أن يثبتك، وأن يُعينك على طاعته، إنه الكريم ربُّ البريّة، ونحب أن نؤكد لك أن شهر الصيام فرصة للثبات على هذا الخير، فالصيام يُنمّي في الإنسان المراقبة لله تبارك وتعالى.

أمَّا بالنسبة للوساوس فأرجو ألَّا تُقابلها إلَّا بالإهمال، والتطنيش، فإنها لا تُساوي شيئًا، وموت ذلك الشاب لا يعني أنك ستموت، ومَن الذي قال الصالح يموت بسرعة ولا يطول عمره؟! .. أقوى الناس في كبرهم، أطول الناس عمرًا، أسعد الناس في أجسادهم وحياتهم هم مَن يُطيعون الله تبارك وتعالى، وكلّ المحرمات التي حرّمها الله تبارك وتعالى ممَّا تُنقص من طاقة الإنسان، وتُؤثّر على حياته، وتُضعفُ جسده، بخلاف الطاعات التي فيها العافية، فيها السعادة، وفيها الخير.

الإنسان عليه أن يعمل بالصالحات، ويجتهد في رضا رب الأرض والسماوات، ويُكثر من الحسنات الماحية، وإذا كان الإنسان على الطاعة فلن يُبالي إن وقع الموت عليه، والموتُ يُصيب الجميع، لكن سعيدٌ مَن يموتُ على طاعة ويموتُ على توبة ورجوعٍ إلى الله تبارك وتعالى.

أمَّا بالنسبة للوساوس أنك تحسد نفسك أو كذا: فعليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، واعلم أن الإنسان إذا حافظ على الأذكار فإنها كما قال الشيخ ابن باز: "نافعةٌ ممَّا نزل وممَّا لم ينزل"، فلا تشغل نفسك بمثل هذه الأشياء، بل اشغل نفسك فيما يفيد في دينك ودنياك، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، واجتهد في أن تكون ذكّارًا شكّارًا، مُطيعًا لله تبارك وتعالى، وعندها لن يستطيع الشيطان أن يُؤذيك، ولن يصل إليك شرّ من نفسك أو من غيرها، طالما كنت مع الله متوكِّلاً على الله تبارك وتعالى.

أسأل الله أن يُعينك على الخير، ونكرر دعوتنا لك بمطاردة هذه الأفكار السالبة بأفكارٍ إيجابية، وقطع التوتر على الوساوس أيضًا بالانشغال بما يُرضي الله تبارك وتعالى، وتجنّب الوحدة فإن الشيطان مع الواحد، وإذا جاءتك وساوس بالغة ما بلغتْ - حتى لو كانت تتعلّق بالكفر أو بالذات الإلهية - فإن هذا الضيق الحاصل منك دليلٌ على صريح الإيمان،

لك في الصحابي الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه من مثل هذه الوساوس أسوة، فقد اشتكى إليه من أنه يجد الشيء في نفسه، ولزوال السماوات والأرض أحب إليه من أن يتكلّم به، فقال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ، يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ)، أو قال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ، لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ).

كذلك آخرون من الصحابة رضي الله عنهم قالوا: (إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ)، فقال صلى الله عليه وسلم: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» وقال: ( اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيَدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ)، ثم علَّم مَن بلغه ذلك بأن يتعوّذ بالله من الشيطان وأن ينتهي، فقال: (فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ)، فأمر بالانتهاء، بمعنى أنه ينصرف إلى أمور أخرى ولا يُواصل تواتر التفكير في مثل هذه الأفكار السالبة، وعلم مَن يجدُ ذلك أن يقول: (آمنت بالله) فقال: (فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ)،

نبشّرُك بأن الله لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ولا يُؤاخذنا بمثل هذه الوساوس، فيا له من ربٍّ غفور رحيم توّاب، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً