الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستشعر حلاوة العبادة؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 22 سنة، مؤخرا كنت على ذنب أتوب منه وأعود إليه، ومؤخرا عزمت أن أبتعد عنه، لكنني أصبت بما يسمى -بلادة الإحساس- وأحس أن قلبي لا يتفاعل بشكل صحيح مع عباداتي، مع العلم كنت مدمنا على الاستماع إلى الموسيقى، وابتعدت عنها تدريجيا -والحمد لله-.

لم يعد الذنب بالحدة ذاتها كالسابق، فكيف يمكنني أن أتغلب على عدم الإحساس وقسوة القلب، وعدم تحركه؟ هل هذا عادي في بداية طريق التوبة والاستقامة؟ وهل سأشعر بحلاوة العبادة مع الوقت؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا -أخي حسني- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

أخي الكريم: إننا -نحمد الله- إليك تلك التوبة والتي نسأل أن تكون توبة برة صادقة، وأن يرزقك الاستقامة عليها حتى الممات، فما أجمل العيش في طاعة الله، وما أشق الحياة في معصيته، -فالحمد لله- على عافيتك، -والحمد لله- أن وفقك لهذا السؤال الذي به تنشد الطريق المستقيم لصلاح القلب وأن تسعى في ذلك.

أخي الكريم: لا شك أن الطريق إلى القلب المستقيم يحتاج إلى جهد ودربة وتخلية وتحلية، وهذا لا يكون في يوم ولا شهر، بل ما تمر به أمر طبيعي، فقد قيل: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب.

هذه الحلاوة التي تطمع إليها هي أجمل ما فيه الحياة بأسرها، هي نعمة لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من ذاقها وأحس بها وعاش معها، هي لذة لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها وأنس بوجودها، قال تعالى: " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)"، سورة الأنعام.

يقول ابن تيمية رحمه الله: "ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً".

هذه الحلاوة المنشودة منا جميعا أخي حسنى لها شروط , ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:

1- أَنْ يَكُونَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا.
2- وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.
3- وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

هذه الثلاثة تحتاج إلى دربة وتمرن وجهد، وصحبة صالحة، وعلم شرعي ينتقع به المرء.

على أن هناك بعض الدعائم التي توصلك إلى هذه الحلاوة، منها ما قاله عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَىَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي".

وعليه أخي الكريم: الزم صحبة الصالحين، وضع هذا الهدف أمام عينيك، وابتعد عن المعاصي، وخذ حظا من قيام الليل، ووردا من القرآن، المهم أخي وانتبه رجاء لما نقوله لك: المهم ألا يكون هذا كثيرا على ظهرك أو مشغلا لك عن دراستك أو عملك، قليل دائم يا حسني خير من كثير منقطع، ابدأ بالفرائض في وقتها، صفحة من كتاب الله يوميا قراءة متدبر، والمحافظة على السسن الراتبة، وركعتين من الليل، واستمر على ذلك فترة من الزمن، وإذا أردت الزيادة فاستعن بالله وزد زيادة بسيطة فإن القلوب تمل -يا أخي-.

نسأل الله أن يبارك في عمرك وأن يقدر لك الخير، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً