الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اختلفت مع عمتي وزوجها بعدة وفاة والدي على الميراث، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب مجتهد وقريب من الله، وأخاف الله كثيرًا، توفي والدي في الأشهر الماضية، وأنا حزين لموته، وأقاربي من الدرجة الأولى أخذوا ميراث أبي، وعنده -رحمه الله- ثلاثة أبناء وزوجة، أنا وأختي وأخي وأمي، أخذوا السدس وهو نصيب جدتي، وكذلك الثمن نصيب جدتي من جدي.

علمًا أنها أخذته في حياة والدي، وجاء زوج عمتي ومثل بأنه متحدث رسمي باسم جدتي وعمتي، مع العلم أنهم اهانوا والدتي وأخواتي، وأعمام أبي عندما وقفوا معنا، ثم أخذوا جدتي التي كنت أهتم بها عند مرضها وعيشتها معنا مثلما راعيت والدي، أخذوها عندهم خوفاً من أن نطلب منها التنازل لنا.

وتوفيت جدتي هذا الشهر، وجاءوا لدفنها وذهبوا، أنا وإخوتي مع أعمام أبي أخذنا العزاء، والناس تتساءل أين ابنتها؟ وهل كانت سترحل لو كان ابنها موجودًا؟ وعادوا بعد العزاء بثلاثة أيام وقسموا الميراث بطريقة متعجرفة وقلة أدب، ولكنني اتخذت قرارًا بأن أقطع العلاقة بهم، ولا أعتبرهم أهلي، وأعطيهم نصيب جدتي بشرع الله، ويكون هذا آخر المطاف بينا وبينهم.

لم أرد قطع الأرحام، ولكنهم ألحقوا الضرر بنا، فهل يجوز ذلك؟ علمًا أن الموقف معقد جدًا، وما ذكرته جزء بسيط من المشكلة.

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يرزقك الصواب في القول والفعل والعمل، وأن يبارك في عمرك، وأن تكون مدد خير لأبيك بعد الموت.

فأنت تعلم -يا أخي- أنك أحد أبواب الخير لأبيك، ففي صحيح الإمام مسلم وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، والمقصود بالولد الصالح المتصف بالاستقامة والالتزام.

قال النووي في شرح مسلم: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه.

والمسلم الذي يؤدي الفرائض، ويجتنب الكبائر، هو من يعتبر صالحًا يصل ثواب دعائه لأبويه، وعليه فالاجتهاد في البر مع الابتعاد عن الكبائر، والتي منها قطع الأرحام، هو من الأبواب المفتوحة لأبيك في قبره.

أخي الكريم: إن الشرع الحكيم هو الذي أمر بصلة الرحم، ورتب على هذه الصلة من الأجر والثواب لك في الآخرة، وكذلك الفلاح في الدنيا ما لا يخطر على بالك، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}، وفي الصحيحين، واللفظ للبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحق الرحمن، فقال لها: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).

وهذا الفضل العظيم نعني صلة الرحم ترى أثره في الدنيا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ‏‏(من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره)، فليصل رحمه، [متفق عليه].

وعاقبة قطع الرحم كبيرة -يا أخي-، ويكفيك حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، [متفق عليه]، وكفى بهذا زاجرًا عن القطيعة.

وقد تقول: هم من قطعوها لا نحن، ونحن نجيبك بأن حقيقة صلة الرحم أن تصلها إذا قطعت، كما في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).

وعليه فلا ننصحك بقطع الرحم، بل ندعوك إلى ما يلي:

1- الإحسان إليهم رغم ما بذلوه، والتماس الأجر من الله.
2- إشراك الصالحين من أهلك وتشكيل جلسة عائلية تضع النقاط على الحروف في الإرث.
3-إشراك أحد من العلماء الشرعين في هذه الجلسة.

هذا هو الطريق الصحيح، إذا لم يعطوك حقك وشعرت أنك مغبون، أن تبحث عن وسيلة لأخذ الحق دون قطع الصلة.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً