الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفاهم معدوم بيني وبين والدي، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه ثاني استشارة لي بالموقع، وجزاكم الله خيراً على الفائدة التي تقدمونها للجميع.

أمر بحالة نفسية صعبة منذ عدة أشهر، وآلام وتقلصات في القولون، وأفكار سلبية، وقبل شهرين دخلت في نقاش مع الوالد وازداد الألم جداً، وبعدها بساعتين جاءتني نوبة بكاء، وتوجهت لطبيب نفسي، فصرف لي دواء الفافرين، وشخص حالتي بالقلق والتوتر، وقال لي: تجنب والدك، ولا تدخل في مهاترات معه، فأخذت العلاج، وأشعر بتحسن.

الوالد صعب التعامل معه، والآن أشعر بالكره تجاهه، فهو سلبي ومتحكم، وفي نفس الوقت حساس، وعندي أخ أكبر مني مصاب بالفصام، ونشك أنه من تعامل الوالد السيء معه، فالوالد ذكر مرة وقال: أنا جننته.

سؤالي: هل أنا أثم على التعامل السطحي مع الوالد؟ لأن لما أدخل معه في شغل، أو أي شيء أتعب نفسياً، فصرت جاف التعامل معه، وأحاول أن أبين له ذلك أملاً في أن يتغير، والوالدة تقول لي: أنت وأخوك ضحية مريض نفسي -تقصد الوالد الله يهديه-.

كنت منذ فترة طويلة أضحك معه، وأطمئنه وأحتك معه، وامتص طاقته السلبية، والآن أحاول قدر المستطاع أن أتجنبه، وأكون بالدور الثاني فهو لا يصعد كثيراً، فهل أنا عاق؟ فهو يلاحظ أنني أقصد الهروب منه، رغم أنني أخدمه إذا طلب شيئاً، وسرعان ما أذهب فور انتهاء عملي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب مجدداً، نشكر لك تواصلك وثناءك، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعافية، ويعجل لك بالشفاء من كل داء، وقد لمسنا من كلامك -أيها الحبيب- حرصك على تجنب إغضاب والدك وعقوقه، ونسأل الله تعالى أن يعينك وييسر لك بر والديك، وغني عن التذكير -أيها الحبيب- ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم من حق الوالد وتعظيمه سبحانه وتعالى لهذا الحق، فقد جعله بعد حقه هو سبحانه وتعالى، فقال: ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ )، والإحسان للوالد وبره يعني إدخال السرور إلى قلبه بكل قول أو فعل، وتجنب إغضابه.

وعلى هذا الأساس ينبغي أن تبني تصرفاتك مع والدك، فتحذر كل الحذر من إغضابه، فإن إغضابه عقوق، ولو كان في نهيه عن منكر يفعله، فقد ذكر العلماء: ينهى والده عن المنكر إذا لم يغضب، فإذا غضب عليه -أي على الولد- أن يسكت، وهذا كله حرص على بر الوالد، وتجنب عقوقه، ثم أن الله سبحانه وتعالى أمر بإحسان معاملة الوالد ولو كان الوالد مسيئاً إلى ولده، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ )، فأمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف وإن كان هذان الوالدان يجاهدان ولدهما ليكفر بالله تعالى، وليس شيئاً أعظم جرماً ولا أكبر إثماً من أن يجاهد الوالد ولده ليكفر بالله، ومع هذا أمر الله تعالى هذا الولد بإحسان الصحبة لهذا الوالد.

فنحن ننصحك بأن تحرص كل الحرص على تجنب إغضاب والدك، وينبغي لك أن تجتهد ما استطعت في إدخال السرور إلى قلبه، فإن هذا البر ينفعك عند الله تعالى، ينفعك في دنياك وينفعك في آخرتك، ولكن ما ذكرته في السؤال من كونك تتجنب كثرة المخالطة له حتى لا تقع في شيء يغضبه، فإن هذا إذا لم يكن مغضباً لأبيك فإنه ليس عقوقاً، لكن إذا كان الوالد يغضب من هذا ويحب أن تزوره، وأن تمر عليه في مكانه الذي هو فيه، لا سيما وأنت وإياه في بيت واحد، أنت في طابق وهو في طابق آخر، فإذا كان يغضب من عدم مرورك عليه وكثرة مخالطتك له، ولا تتضرر أنت بهذه المخالطة، فإننا ننصحك بأن تتجنب هذا السلوك، وأن تحرص على إرضاء والدك، وتستعين بالله سبحانه وتعالى على ذلك، وسيعينك الله، لكن حيث خشيت ضرراً أو خشيت الوقوع في إغضاب والدك، وتجنبت ذلك بقدر دفع هذا الضرر، فإن نرجو الله تعالى أن لا يكون عليك فيه إثم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى عونك، وييسر لك أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً