الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج بعد المعرفة بين الشاب والفتاة عن طريق الإنترنت

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.

في البداية أشكر العاملين بهذه الشبكة المباركة، وأدعو الله أن يجعل عملكم في ميزان حسناتكم بإذن الله.

أود أن أستشيركم في موضوع هام أتردد فيه كثيراً، وهو موضوع الزواج حالياً، حيث أنني شاب عمري خمسة وعشرون عاماً، وأنا بفضل الله ملتزم، وأعمل معد كتب كمبيوتر، ولكن ليس لديّ عمل ثابت بشركة حالياً، ومنذ فترة تعرفت إلى أختٍ عن طريق شبكة الإنترنت، وهي من نفس مدينتي، وكانت العلاقة بيننا لا تتعدى الحدود الشرعية، كانت تنحصر في الاستشارة في أمور الكمبيوتر وغيرها، إلى أن أصبحت تأخذ منعطفاً آخر، حيث وجدتها تحبني بشدة، وتدعو لي في صلاتها بالتوفيق، وأشياء كثيرة تدل على تعلقها بي دون الخروج عن الإطار الشرعي بالتصريح.

المشكلة الآن أن لديّ طموحات كثيرة أريد أن أحققها قبل التفكير في الزواج، ولذلك كنت مؤجِّلاً موعد الزواج إلى ما بعد سن الثلاثين، ولكني حالياً في حيرة، هل أتزوجها أم أنني بذلك أكون قد تسرعت وقضيت على أحلامي وطموحاتي بالوصول إلى مرتبة عالية في العمل؟

بعض إخواني يقولون: إن الفرصة تأتي مرة واحدة، وقد يكون معهم الحق، ولكني أريد أن أحقق طموحاتي العملية والمادية، لكي أكون واثقاً من نفسي مادياً، وأستطيع التقدم لأي أخت، دون القلق من الرفض من الناحية المادية، وأهلها يطبقون المقولة: "خذوهم فقراء يغنكم الله"، وهي كانت قد سبق لها الزواج -عقد قران فقط- ولكن حدث طلاق بدون سبب منطقي من جهة العريس، غير أن والدته صممت على ذلك، وهي ليس لها ذنب، وقد أثر عليها شعورياً، وبقيت تنظر إلى كل الزيجات على أنها فاشلة.

بفضل الله استطعت أن أخفف عنها، وأجعلها تنظر للحياة بأمل وإشراق، وهي الآن تحضّر تمهيدي ماجستير، حيث أنها خريجة كلية أصول دين قسم الحديث الشريف.

بالطبع لم أكن أفكر بالزواج منها، لأنني كنت مؤجِّلاً موضوع الزواج لسنوات طويلة، ولكن لما وجدتها تحبني أحسست أني أعذبها معي، وأريد اتخاذ قرار في ذلك.

هل أتزوجها أم أنسى الأمر وأنتظر سنوات طويلة حتى أكوّن نفسي، وأدخر الآلاف لشراء الشقة الكبيرة والجهاز والمهر وغيره؟ ثم أنا لا أعرف هل سأجد أختا تحبني مثل ما كانت تحبني هي أم لا؟

أنا حقاً في حيرة بين الانتظار سنوات - والعيش على تحقيق الطموحات والحصول على الشهادات الدولية في مجالي، التي تؤهلني لأن أكون مبرمجاً أو مهندس كمبيوتر في إحدى الشركات الكبيرة - وبين الزواج منها الآن أو بعد شهور بسيطة، لا أعرف بالضبط ماذا أفعل، غير أني أحبها، وأتمنى لها كل الخير.

أفيدوني هل أقدم على قرار الزواج منها، أم أنتظر سنوات حتى أكون شخصاً آخر، له مكانة كبيرة بالمجتمع، ثم أفكر في موضوع الزواج من أي أخت أخرى؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الزواج المبكر يدفع للإبداع والنجاح في الحياة إذا أحسن الإنسان الاختيار، واتفق مع زوجته على تحديد المسار، وتوكل الإنسان على مكور الليل على النهار، وسعى في الأرض يبذل الأسباب ولم يجلس في الدار، وقد علم أن السماء لا تمطر الدرهم والدينار.

وليس للمتحابين مثل النكاح، وإذا وجد الإنسان صاحبة الدين دارسة الشريعة فماذا ينتظر؟ ولا يخفى على أمثالكم أن التأخر في مسألة الزواج بدعة غربية دخلت علينا مع جحافل الاستعمار، وبفعل شاشات الإفساد والدمار، وفيها تقليد لأعدائنا الكفار الذين يمارسون الزنا ويرتكبون العار، أما المسلم فإنه يسعى للعفاف ليعف نفسه وأهله، وينجي نفسه من الفواحش، ويطلب الذرية الصالحة ليكثر أعداد الموحدين المصلين، فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم يفاخر بنا الأمم يوم القيامة، وليس من المصلحة تأخير الزواج خاصة وقد تحركت في نفسك دوافع الشهوة، وقد يصعب على الإنسان أن يعف نفسه في عصر العولمة والانفتاح إلا بالارتباط بمؤمنة ذات صدق وصلاح.

ونحن ننصحك بأن تجعل العلاقة شرعية ولا تعطي الشيطان الفرصة، واحرص على أن تأتي البيوت من أبوابها، وابدأ مشوارك بصلاة الاستخارة، ثم بأخذ رأي أهل الخبرة والدراية.
واحرص على معرفة أسرة الفتاة، واطلب منهم أن يتعرفوا عليك، فإن ذلك يزيد من مكانتك في نفوسهم، واجتهد في معرفة سبب طلاق الفتاة ولكن من دون تجرح مشاعرها أو تجدد آلامها، وانظر منها إلى ما يدعوك إلى نكاحها، ولا تخلو بها أو تخرج معها، واجعل علاقتك بها في حضور محارمها؛ فإن الموفق هو الذي يبدأ حياته بالطاعات ويراقب رب الأرض والسماوات.

ويخطئ من يظن أن قلة المال عائق، فإن المال ظل زائل وعارية مسترده، والله تعالى يقول: (( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ ))[النور:32]، والمهم أن تكون للرجل همة وقدرة على تحمل المسئولية، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (التمسوا الغنى في النكاح)، يتأول قول الله: (( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ ))[النور:32]، والمرأة تأتي برزقها، وطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، والعقلاء من الأولياء يخطبون في الرجال دينهم وأمانتهم وأخلاقهم، وهذا توجيه خاتم الأنبياء عليه صلاة الله رب الأرض والسماء، ولا شك أن الزواج يزيد في همه الرجل ويدفعه للعمل والاجتهاد فيسعى في طلب الرزق، ونحن نتمنى أن تكون أمور الزواج ميسرة، وأن نبتعد عن الإسراف طلباً للشهرة، فإنه لا خير في الإسراف، وغلاء المهور من أسباب خراب الدور، وقد قال عمر رضي الله عنه إن المبالغة في المهور يورث البغض في نفس الزوج على زوجته وأهلها، لو كان فيه منفعة لسبقنا إليه رسولنا وصحابته الأبرار، الذي تزوج باليسير وزوج أصحابه بخاتم الحديد، وربما بما حفظ أحدهم من كتاب الله المجيد.

وأرجو أن نعلن لك تحفظنا على كلمة أحبها؛ لأن الحب الشرعي الحلال هو ما كان بعد الرباط الشرعي، وهو الحب الحقيقي الذي يصمد بحول الله وقوته مع أمام الأزمات، ويستمر ويشتد بمسارعتنا في الطاعات. ونسأل الله أن يسهل أمرك وأن يغفر ذنبك.

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً