الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أجد تقديراً من أهلي رغم خدمتي لهم!

السؤال

السلام عليكم.

أنا طبيبة، عمري 25 سنة، أعيش مع عائلتي، تعبت من تصرفاتهم معي، لا يقدرونني، ويؤذونِني بكلامهم.

العالم يعرفني بأخلاقي، وديني، وحسن تصرفي، وبري بوالدي، ولكن عائلتي يتحدثون عن كمية المال التي دفعوها في تربيتي، إذا أرادت أمي أن تشتري لي هديةً يتحدث إخواني عن سببها، ولماذا لا يشترون لأخي؟ مع العلم أنه متزوج ولا يقصر والدي معه.

مرضت أمي وكنت أجلس عندها ليلاً ونهاراً، حيث كنت أنام 3 ساعات فقط، وتتحدث أمي عني وكأني لم أعمل أي شيء لها.

أمام الناس يقولون: إني يجب أن أخدمهم رغم أنفي، إذا طبخت زوجة أخي لنا أكلاً يهجمون علي ويقولون: تعلمي منها، أنتِ لا تفعلين شيئًا، على الرغم من أنني أقوم بتنظيف البيت كله، وغسل كل شيء، وأطبخ أيضاً، وأساعد زوجة أخي في الطبخ، والله شاهد على ذلك.

عندما أشتكي لأمي تقول: إنهم يمازحونك، ولكن أنا لا أرى أي مزاح في الموضوع، أرى نفسي فاشلةً ومنكسرةً، وأنني لا أستحق أي شيء بسببهم.

وإذا أتاني رجل يخطبني يرفضون بسبب المال أو النسب، ويسألونني بطريقة أنه يجب علي أن أرفض، أو يقول لي إخواني: إذا خرجت من البيت فمن سيخدم أبي وأمي؟

أحس نفسي ميتةً من الداخل ولا يجوز لي أن أشتكي من شيء، لا أريد تقدير الناس لي، أريدها من عائلتي، لا أعرف ماذا أفعل معهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الطبيبة الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقك برَّ والديك، وأن يُصلح الأحوال، وأن يهدي أفراد أسرتك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

نحن بلا شك نتفهم الصعوبات التي تواجهك، ولكن ننتظر من الطبيبة العاقلة التي قامت بما عليها أن تصبر على أهلها، وإذا لم يصبر الإنسان على أهله فعلى مَن يكون الصبر؟

وإذا كنت ولله الحمد تقومين بواجبك تجاه والديك؛ والوالدة تتفهم هذا وإن ظهر خلاف ذلك في بعض الأحيان؛ فإن كلامها معك يدلُّ على أنها تتفهّم ما تقومين به من أدوار، وتتفهم مرادهم من الكلام عندما تقول: إنهم يمزحون معك، وهذا نوع من التعاطف الرائع من الوالدة. وإذا أدّى الإنسان ما عليه فما ينبغي أن يُبالي بالآخرين.

أمَّا بالنسبة للزواج: فأنت صاحبة القرار، فإذا جاء الخاطب المناسب فليس لأحدٍ أن يُحدِّد، بل أنت صاحبة القرار، ودور الأسرة جميعًا بما فيهم الآباء والأمهات، هو دور توجيهي إرشادي، وزواجُك لا يعني أنك ستُقصّرين مع والديك، بل من حقك أن تشترطي لمن يتقدّم أن عندك والدين، وأنك قد تحتاجين لخدمتهم، وهذا يتفهمه أكثر الأزواج، بل يفرحون بهذا؛ لأن هذا مُبشّر لهم بأبناء بررة، إذا كانت الأم بارَّة بوالديها فإن هذا من مصلحة الزوج، وإذا كان الزوج باراً بوالديه فإن هذا من مصلحة الزوجة؛ لأنهم يُنتجون مجموعة من البررة، من الأبناء والبنات، فالبرُّ يتوارث.

ولذلك أرجو ألَّا تُضايقي نفسك أكثر من اللازم، مع تفهمُنا للصعوبات التي تواجُهك، ولكن إذا عمل الإنسان ما عليه فما ينبغي أن يُبالي بكلام الناس، اجعلي همّك إرضاء ربّ الناس سبحانه وتعالى، وأن تفعلي ذلك: من خلال ما تقومين به من خدمات، ومن خلال ما تقومين به من مساعدة لزوجة الأخ في الطبخ، أو نحو ذلك، بل الأهم من ذلك ما تبذلينه من أموال من أجلهم ومن اهتمام بالأسرة.

نسأل الله أن يُعينك على الخير، وأرجو ألَّا تُعطي الأمور أكبر من حجمها، واعلمي أن بعض الأشقاء والشقيقات إذا وجدوا الإنسان يتضايق فإنهم يزيدون عليه، لكن إذا وجدوه لا يُبالي بكلامهم لا يزيدون عليه، والإنسان إذا عمل ما عليه شرعًا ما ينبغي أن يُبالي بكلام الناس، وتعليقات الناس، لأن رضا الناس غاية لا تُدرك، وخاصة عندما يكون داخل البيت، يعني: تحدث مثل هذه المناوشات، وعندما يكون عندك أموال مثلاً – لأنك طبيبة أو كذا – هذا أيضًا قد يزيد الأمور إشكالاً، وقد يُوجد مَن يطمع في هذه الأموال، ولكن نحن ينبغي أن نُدرك أن ما بيننا كأفراد أسرة أكبر من الأموال، وأن الإنسان يمكن أن يبذل أمواله من أجل إخوانه، وطبعًا قبل ذلك من أجل والديه، ولا أظنُّ أنك تُقصّرين في هذا الجانب.

إذًا عليك أن تأخذي الأمور بمنتهى الهدوء، ولا تُعطي الأمور أكبر من حجمها، وجرّبي التطنيش والإهمال لأي كلامٍ في غير محلّه، وأشغلي نفسك بعملك وبرّ والديك وطاعتك لربّك، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونسأل الله أن يضع في طريقك مَن يُسعدك ويُسعد والديك، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً