الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أصلي إذا خرجت من المنزل لأني أشك بأن كل شيء نجس!!

السؤال

السلام عليكم.

منذ عام أشك بأن كل شيء خارج المنزل نجس، وحتى بعض الأماكن بالمنزل، فعند الخروج من المنزل أعتبر نفسي نجسة لأني لامست باب السيارة وجلست على الكرسي، ولامس أسفل ثوبي أرض الشارع، ولم أعد أصلي خارج المنزل، حتى في منزل أهلي، وهذا الأمر يحزنني!

وعند العودة للمنزل أستحم لإزالة النجاسة، وكذلك عند شراء الأشياء أظن أنها نجسة ويجب غسلها، وإذا لم أغسلها فموضعها نجس، بدأت هذه الوساوس عندما رأيت أحداً يتبول وجف البول من شدة الحر وأمي جلست على هذا المكان، في عقلي أنا أعلم أنه وسواس نجاسة.

لكن أرجوكم أريد جواباً لجميع هذه الاعتقادات، وشكراً، ادعوا لي بالشفاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مودة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

كل هذا الذي ذكرته بالفعل هي وساوس، ووساوس الخوف من الأوساخ والنجاسات ووساوس الطهارة منتشرة جدًّا، والوسواس لا شك أنه يقوم على مفهوم خاطئ.

هذه هي النقطة المركزية التي أريدك أن تُدركيها، ولا تقبلي هذا السلوك، ويجب أن تُحقّري هذا السلوك، وتكوني أكثر مرونة في التعامل مع الأوساخ ومع النجاسات، وهنالك ضوابط شرعية تُحدد النجاسة، فأرجو أن تُصححي مفاهيمك على الأسس الشرعية، أن يقول الإنسان: (أنا أعتقد هذا، وأعتقد هذا) هذا ليس بالأمر السليم، فأرجو أن تُحقّري الفكرة، وأن تصرفي انتباهك عنها تمامًا، وأن تُوقفي الممارسات الوسواسية التي سوف تُدعّم وتُشجّع الوساوس وتجعلها أكثر استحواذًا.

كلامك أنك بعد العودة إلى المنزل تقومين بالاستحمام لإزالة النجاسة؛ هذا خطأ كبير، هذا يجب أن يُوقف الآن، وحتى إن أتاك قلق وتوتر لأنك لم تقومي بالاستحمام أرجو أن تتحمّلي ذلك، وفي المرة القادمة أيضًا يجب أن تتحمّلي هذا الأمر، وسوف يقلّ مستوى القلق إلى أن ينتهي، ومستوى الإلحاح الوسواسي سوف يقلُّ كثيرًا.

لا يمكن أن تتعاملي مع المنزل كأنه مكان معقّم وبقية الأماكن أماكن نجسة، هذه مفاهيم يجب أن تخضعيها للمنطق دون أن تُدخليها في حوارٍ وسواسي، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة، هكذا يقول الشرع، ويقول: (إذا ظننتَ فلا تَحَققْ).

قطعًا أنت محتاجة لعلاج دوائي – أيتها الفاضلة الكريمة – هنالك أدوية فاعلة، أدوية ممتازة جدًّا، مضادة للوساوس، إن أردت أن تذهبي إلى طبيب نفسي وكان هذا ممكنًا فهذا أمرٌ جيد، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فأنا أقول لك: إن عقار (فلوكسيتين Fluoxetine) والذي يُعرف تجاريًا باسم (بروزاك Prozac) وربما يُوجد في فلسطين تحت مسميات تجارية أخرى، يتميز الفلوكسيتين بأنه غير إدماني وغير تعودي، ولا يضرُّ أبدًا بالهرمونات الجسدية، ولا يُؤدي إلى زيادة في الوزن.

الجرعة هي: أن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم – أي عشرين مليجرامًا – لمدة أسبوعين، ثم تجعلي الجرعة كبسولتين يوميًا – أي أربعين مليجرامًا – وهذه قد تكون جرعة علاجية كافية في حالتك، لكن بعض الناس يحتاجون إلى ستين مليجرامًا، والبعض الآخر يحتاج إلى ثمانين مليجرامًا –أي أربع كبسولات في اليوم– وهذه هي الجرعة القصوى.

أنا لا أعتقد أنك سوف تحتاجين لهذه الجرعات العالية، التزمي بالأربعين مليجرامًا على الأقل لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تُخفض إلى كبسولة واحدة يوميًا لمدة شهرين، ثم اجعليها كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناوله.

وبعد استعمالك للفلوكسيتين لمدة شهرٍ ونصف إذا لم تحسّي بتحسُّنٍ حقيقي يجب أن تُضيفي إليه دواء آخر يُسمَّى (فافرين Faverin) واسمه العلمي (فلوفوكسامين Fluvoxamine)، وجرعته: ابدئي بخمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم اجعليها مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض إلى خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناوله.

لا شك أن تناول الفلوكسيتين مع الفلوفوكسامين هو من أفضل العلاجات التي تقهر الوساوس القهرية، والفلوفوكسامين أيضًا من الأدوية السليمة جدًّا.

وحتى تكوني أكثر اطمئنانًا فيما يتعلّق بالأدوية أرجو أن تذهبي وتقابلي طبيباً إن كان ذلك ممكنًا، وأقصدُ بالطبيب الطبيب النفسي، لكن ما وصفته لك من أدوية هي أدوية سليمة، والخطة العلاجية التي تقوم على مبدأ التجاهل وعدم حوار الوسواس وعدم اتباعه؛ أيضًا هي الطريقة الصحيحة.

حتى الصحابة – رضوان الله عليهم – فيهم من أصيب بهذا الوسواس، ونصحهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول الواحد منهم (آمنت بالله)، وأمره بالاستعاذة وبالانتهاء فقال: (فليستعذ بالله ولينته)، والانتهاء معناه عدم الخوض في الوسواس والتمادي فيه.

إذًا: كرري (آمنت بالله) وكرري (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وانتهي وتجنّبي وابتعدي وحقّري الوسواس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

وللفائدة يمكنك الاطلاع على هذه الاستشارة : (2422880)

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً