الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نقنع الأب بحرمة التحدث مع الأجنبيات دون ضرورة؟

السؤال

كيف أقنع رجلًا متزوجًا بحرمة التحدث مع الأجنبيات بغير ضرورة، علماً أن لديه أربعة أبناء ليسوا صغارًا، وأصبحوا مدركين لأغلب ما يقع، وهو رباهم على الخوف من عقاب الله لمن يخاطب الشباب.

هو الآن لا يحتاج للعمل نهائيًا، ولكنه يذهب للترفيه عن نفسه، ويدخل عنده الكثير من الفتيات الأوروبيات المسلمات وغير المسلمات، ويتبادلون أطراف الحديث، ويحكون عن تفاصيل حياتهم، ويضحكون سويًا حتى أصبح الآن يقول لبناته افعلن ما تردن؛ لأنه لا يستطيع أن يقول لهم هذا حرام بشكل قطعي؛ لأنه يفعله، ويعامل كل الفتيات في الخارج كبناته يتصل بهن ويطمئن عليهن، ويرسل لهن مساعدات إن تعرضن لموقف ما، وهذا يقزز بناته منه، وأصبحت إحداهن تكره التعامل معه، وتكره كلامه معها، وهي أصلاً تحبه جدًا، ولا تريد أن تفاتحه في ذلك الموضوع، وأن ما يفعله يحزنها؛ لأنها جربت قبل ذلك، وكان رده ردًا زاد كرهها له.

أرجوكم ساعدونا بكلام يطمئنا؛ حيث إن التمسك بدين الله، أو حتى فقط مجرد التفكير في الدعوة له، أو إنكار منكر يغضب الله، أصبح صعبًا وثقيلا جدًا على النفس، فالشخص الآن يحاول فقط بصعوبة أن يتمسك بدينه، ويعلم أنه ما زال على الصواب رغم انحراف فطرة أغلب من حوله، وفعلهم حتى ما لا يرضي العاقل، أو صاحب الفطرة السوية كالحياء والغيرة والأدب والاحتشام، والقول المعروف وعدم التحدث بغير حاجة، وأن الحديث الكثير مع الأجنبيات لا يدل على عقل منفتح، ولكنه حرام، والشخص يحترم باحترامه واعتزازه بدينه الذي فضله الله به على باقي البشر، وليس بالانصياع وراء كل دين وكل رأي شخصي لكل شخص يمر في حياتنا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بيسال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وأن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه.

أختنا الكريمة: لا شك أن الأصل في مخاطبة الرجل للمرأة الأجنبية عنه المنع والحظر، وقد نصّ بعض أهل العلم على المنع من مكالمة الرجل الشابة لغير حاجة، قال العلّامة الخادمي -رحمه الله-: (التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة؛ لأنه مظنة الفتنة) أما عند الحاجة وبضوابط شرعية سنذكرها، فقد قال أهل العلم بالجواز، مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة، وسيرة الصحابة ومن تبعهم.

أما الدليل من القرآن فقصة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله عز وجل في شأنها قوله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة:1] ومن السنة حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: (إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم).

وكذلك قد ورد عند البخاري والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها، توفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الآجلين، فمكثت قريباً من عشر ليال، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انكحي).

وهذه كله يدل على الجواز، ولكن كما رأيت جواز يقتضيه الحاجة الداعية إليه، لكن أهل العلم اشترطوا مع وجود الحاجة بعض الضوابط:

1- عدم خضوع المرأة بالكلام، ومنه الضحك وما شابهه لقوله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب:32].

قال صاحب كتاب أحكام القرآن: أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلاً، وكلامهن فصلاً، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع.

2- غياب التلذذ من الطرفين أو أحدهما بصوت الآخر، فقد قرر أهل العلم أنه يحرم التلذذ بصوت المرأة ولو بقراءة القرآن.

3- أمن الفتنة، فإن خاف أحدهما على نفسه الفتنة، حرم الاستماع والكلام.

أختنا الكريمة: هذا عن الحكم الشرعي، ولكن نوصيك بوالدك خيرًا، ونحثكم على التقرب منه أكثر، فإن الابتعاد عنه مظنة شر، وباب قد يدخل الشيطان منه عياذًا بالله، هذا وإن أنكرنا الحديث مع الأجنبية بغير ضرورة، فإننا كذلك ننكر الابتعاد عن الوالد، ونراه لونًا من ألوان العقوق، خاصة في مثل هذا العمر الذي أصبح الفراغ عنده أكثر، ونحن نوصيكم بعدة أمور:

1- إشغال وقته بشيء محبب إليه كقراءة القرآن، أو قراءة كتب شرعية، أو علمية، المهم أن تنشغلوا به فتشغلوا أوقاته.

2- احذروا أن تظهروه بمظهر المتساهل في دينه، فإن هذا قد يجرؤه على ما هو فيه عناداً لكم، ولكن حدثوه بهدوء، وأنكم واثقون في أبيكم، لكن الزمان تغير ومثل هذا الكلام الذي يعطيه مكانته ويحجبه.

3- إن كان لأبيكم صحبة صالحة، فاجتهدوا أن تعمقوها أكثر، وإن لم يكن فاجتهدوا أن تقربوه من الصحبة الدينية.

4- أخبروا الوالدة أن تهتم بالوالد أكثر، وأن تتحدث معه أطول، فإن بعض الاهتمام الزائد يطرب قلب الرجل خاصة إذا كبر سنه.

5- اقترحوا كل فترة كتاباً، وتدارسوه مع الوالد على أن يكون في مجال محبب له.

وأخيرًا: أكثروا من الدعاء له أن يحفظه لكم، وأن يبارك لكم في عمره، ولا تبتعدوا عنه -أختنا-، بل الواجب عليكم الاقتراب منه أكثر.

نسأل الله أن يبارك فيكم، وأن يحفظكم من كل مكروه، وأن يصلح حال والدكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات