الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الرهبة من الحديث مع الآخرين وتوتر دائم.

السؤال

السلام عليكم..

بارك الله فيك وهذه قصتي، أنا شاب وسيم في مقتبل العمر، وأدرس حالياً دراستي الجامعية في بلاد أوروبية.

الحق أن مشكلتي أجد جذورها في التلعثم، حيث كنت أتتأتأ في صغري، ثم شفيت منه لفترة معينة، ولكنه عاد لي بعد بضع سنين، ومع مضاعفات أخرى، فحيث كنت لا أقوى على قول أي شيء في الفصل الدراسي، وأصاب بنوبة ويحتبس الهواء في حلقي، فأتتأتأ، ولكني كنت -وللغرابة- متحدثاً في الإذاعة المدرسية، وأقف أمام تقريباً 500 طالب، وأخطب بلا تلعثم، وكنت مناقشاً جيداً، ومبدعاً في مجال التعبير واللغة العربية، ولي محاولات لا بأس بها أبداً في مجال الشعر، كما أني مثقف كثير القراءة، وكانت لي الكلمة الأخيرة في كثير من النقاشات، حتى إنهم أطلقوا علي اسم الفيلسوف.

ومنذ أن دخلت الجامعة في بلاد أجنبية اجتاحني شعور غريب من الدونية وضعف مريع في الثقة النفسية، فكنت دائماً معدوم الراحة في فصل الجامعة، وكنت أشعر بأن منظري لافت للنظر، حتى كنت لا أعرف إلى أين أوجه نظري، مع شعور في الصدر والبطن بالتوتر، وزيادة في خفقات القلب، ويزداد الوضع سوءاً، إذا وجه أحدهم لي سؤالاً، فيحمر وجهي بشدة وأرتبك، وهي نفس الأعراض التي كنت أعاني فيها منذ أيام الدراسة الابتدائية.

وعندما أذهب إلى الجامعة أو ألقى أحد زملائي، أحس فجأة بعدم أمان في نفسي، ويبدأ قلبي بالخفقان، وأحس دائماً أني تركت انطباعاً سيئاً لمحدثي، بسبب ترددي ونغمة صوتي الرتيبة، وردودي على كلماته، حيث ألجأ دائماً إلى موافقة ما يقول، دون اقتناع حقيقي بها، وأشعر بأني غير قادر على التعبير عن نفسي، والأمر نفسه عندما أتعرف على أجنبي آخر.

علماً أنني كنت كثير المعارف بين أوساط العرب هناك، مع إحساس دائم بأني غير قادر على تعميق العلاقة، وأحياناً بأني مجرد شخص ممل آخر.

ازداد الوضع سوءاً، حيث أصبحت أخاف المواجهة في كل مجالات حياتي، حتى عندما أحاسب مثلاً في محل ما، ويوجه لي سؤال عادي، فيبدأ وجهي بالاحمرار مع الأعراض الأخرى، وشعور بأن الكل ينظر لي، وحين أتبضع من محل آخر، أشعر أحياناً -إذا تصادف أن صاحب المحل بجانبي، وأنه نظر لي أكثر من مرة- أنه يشك في، وأصاب باحمرار بالوجه، علماً أن هذه الأعراض هي أخف عندما أتبضع من محل عربي.

حدا هذا الأمر بي إلى شعور شبه دائم بالتوتر، وعدم الثقة والأمان النفسي، وبأني غير قادر على المواجهة، وحتى عندما أكون في قطار عام ويقع قلمي مثلاً، وأقوم برفعه، يحمر وجهي، شاعراً بأن الكل يراقبني، وأصبحت حياتي جحيماً حقيقياً.

كنت دائماً أحاول أن أغير نفسي وأنجح جزئياً، ولكني عند أول موقف من السابق ذكرها، يثبط عزيمتي، وهذا حدا بي إلى حدة في الطباع، ففقدت كثيراً من أصدقائي، وكنت غير قادر على رد المزاح الثقيل، أو الظلم علي في العمل، حيث أني أعمل بجانب الدراسة، وأدى الأمر إلى كره غير مبرر من بعض العاملين في المكان الذي أعمل به لي، ومعاملة فظة وكثرة انتقادي وتكليفي بقسم أكبر من الوظائف، لمعرفتهم بعدم قدرتي على ردهم، وأدى الأمر إلى فصلي من العمل لأسباب تافهة لا تتعلق بكفاءتي، وكثرة مشاكلي.

المهم أني في الفترة الأخيرة زاد الضغط علي، خاصة عند فشلي في محاولاتي في تغيير نفسي، حتى انتابني شعور باليأس من كل شيء، وحتى عن جدوى الاجتهاد في الدراسة، علماً أني من المتوفقين نوعاً ما في دراستي، وانتهى الأمر بي إلى حطام بشري، ليس له عزيمة، وخائف من الارتباط، حيث أني أفكر بالزواج لدرء الفتنة، ولكن الشعور بأني لن أعجب زوجتي، بأني سأخفق في دوري كزوج، وبأني ضعيف الشخصية، قليل الثقة بالنفس، هذا الشعور يمزقني.

علماً أني ببعض حالات الانشراح النفسي، أعرف أن هذه مجرد ضلالات، وأكون وقتها إيجابياً ومرحاً، ولكني سرعان ما أعود إلى مستنقع اكتئابي الآسن.

فما هو تشخيص حالتي، مع العلم أني أحياناً أتحدث كثيراً بلا تلعثم عندما أكون لوحدي، أو بقليل من التلعثم مع صديق مقرب، وبأني قد عانيت من Enuresis حتى سن 13 سنة، ثم شفيت منه بفضل الله، ثم بدواء وصفه لي طبيب، وبأني في قرارة نفسي أعلم أحياناً أني قادر على إنجاز حياة طبيعية، بل ومميزة.

في الختام، أكرر شكري، وأستميحك عذراً على الإطالة، التي آمل أن تكون مبررة، وأرجو الإسراع بالإجابة قدر الإمكان، فإني متردد بشأن زيارة طبيب نفسي، علماً بأن كلي ثقة في الله، ثم بعلمكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ MK حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنت تُعاني مما يُعرف بقلق الرهاب الاجتماعي، كما أن شخصيتك حساسة وسريعة التأثر.

نصيحتنا لك هي أن لا تركز كثيراً على الجوانب السلبية التي تراها في نفسك، إنما حاول أن تنمي الجوانب الإيجابية، وهي والحمد لله كثيرة لديك، كما أنه من الضروري أن تعبر عن كل ما بداخلك، وأن لا تترك الأشياء التي لا ترضيك تتراكم في داخل نفسك.

حاول أيضاً أن تجلس لوحدك يومياً لمدة نصف ساعة، وتتخيل أنك تخاطب جمعاً من الناس، وأرجو أن تعيش هذا الخيال بإمعان وجدية، وأيضاً عليك بالتطبيق العملي في الحياة، بمعنى أن لا تتجنب المواقف الاجتماعية، فالابتعاد والتجنب يزيد من الرهاب.

الأدوية المضادة للرهاب الاجتماعي هي فعالة جداً، ومنها العقار الذي يُعرف باسم (Seroxat)، وآخر يعرف باسم (Cipralex) والدواء الأول ربما يكون أفضل، وجرعته هي نصف حبة يومياً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفعها إلى حبةٍ كاملة، وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها لنصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين.
أما الـCipralex، فجرعته هي 10 مليجرامات يومياً لمدة 4 أشهر.

أرجو أن تكون أكثر ثقة في نفسك، وسوف تجد إن شاء الله أنك أفضل مما كنت تتصور.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً