الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي رهبة وخوف شديد وتقزز من بعض الأمور، فما علاج ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، أبلغ من العمر 37 سنة، أعاني من رهاب وخوف وقرف شديد من لمس أي شيء لمسه شخص معين يعيش معنا في البيت، أشعر تجاهه بقذارة شديدة، وأتجنب حتى لمس مقبض الباب من بعده، وأضع منديلاً عند الضرورة.

منذ فترة بدأت أتذكر أنه كان يدخل غرفتي ويلمس أشيائي، وصرت أبتعد عنها وأخاف حتى من الاقتراب منها، خاصة بعد أن لمسها عقب خروجه من دورة المياه.

علماً أنني كنت أسمح له بدخول غرفتي وحمامي منذ أربع سنوات، ولم أكن أشعر بالقرف تجاهه كما هو الحال الآن، وقد مضت سنتان منذ آخر مرة سمحت له بالدخول.

كنت سابقاً أعاني من خوف ورهبة شديدة من المصابين بالبَرَص، وكنت أستعمل الكثير من الكلور والمطهرات خوفاً على نفسي، وصلت إلى مرحلة لم أعد أخرج فيها من البيت خشية أن أصادف شخصاً مصاباً بالبَرَص في السوق أو ما شابه، وبعد سنوات، انخفض هذا الخوف الشديد لدي من هذا المرض.

أصبح خوفي الآن يتمحور حول الاقتراب من أي شيء يلمسه الشخص الذي ذكرته، حتى إنني أتجنب الجلوس على الكنبات التي جلس عليها، أو حتى المشي على الموكيت، لأني أراه يعطس في المكان.

أصبحت أرى أحلاماً مزعجة تتعلق به، وكأنه دخل غرفتي ولمس أغراضي، فأستيقظ من نومي قلقاً ومنزعجاً.

فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما تعاني منه هو اضطراب الوسواس القهري، أي أنك أصبحت تراودك فكرة أن هذا الشخص الذي يعيش معك يحمل قذارة، ونتيجة لذلك، تتجنب لمسه، أو الجلوس، أو الاقتراب من أي شيء لمسه، بسبب هذه الفكرة المتكررة والمُلِحَّة بأن هذا الشيء قذر، وهذا الشخص - كما ذكرت - يعيش بينكم، وأشرت إلى أنه دخل غرفتك - وهكذا دواليك - ولمس أشياء، مما جعلك تُعاني من هذا الوسواس المتكرر والمزعج.

هوِّن على نفسك، ما تعاني منه هو اضطراب، وإن شاء الله تعالى يُعالج، وعلاجه نوعان: علاج دوائي وعلاج سلوكي معرفي، ولنبدأ بالعلاج السلوكي المعرفي.

أولًا: يجب عليك ألا تستجيب للأفكار التي تراودك بأن هذا الشخص قذر، وألا تستسلم لما يوسوس لك بضرورة تجنب أي شيء لمسه أو جلس عليه، لأن هذا التجنب أو عدم لمس الأشياء التي لمسها يُريحك فكريًا من الأفكار التي تُلح عليك، ولكن هذا الارتياح يكون لفترة قصيرة، ثم لا تلبث أن تعاودك الأفكار مرة أخرى، ولكسر هذه الحلقة المتكررة أو الدائرة المغلقة من الأفكار وردة الفعل السلوكي، يجب ألا تستجيب لهذه الفكرة إطلاقًا.

ماذا سيحدث؟ سيرتفع لديك القلق والتوتر لدرجة كبيرة، وستشعر بضيق شديد، ولكن بممارسة الاسترخاء وتناول الحبوب - التي سأشرحها لك لاحقًا - ستَقِلُّ الأفكار الوسواسية لدرجة كبيرة إلى أن تتلاشى وتُشفى منها بإذنِ الله.

هناك طريقتان للاسترخاء عندما يزيد عليك الضيق نتيجة عدم الاستجابة للأفكار التي تراودك بشأن قذارة هذا الشخص: عليك بالاسترخاء، إمَّا بأخذ نفسٍ عميق، ثم إخراج النفس عدة مرات كلما شعرت بالتوتر، أو بالاسترخاء العضلي التدريجي، حيث تأخذ مجموعة من عضلات الجسم في كل مرة، تشدُّها شدًّا قويًا حتى تشعر بالألم، ثم تُرخي العضلات، وهكذا يحصل الاسترخاء - إن شاء الله تعالى -.

أما الحبوب والأدوية، فهناك عدة أنواع من الأدوية تعالج الوسواس القهري، ولكن أكثر الحبوب والأدوية المتداولة ما يُعرف بـ (فافرين Faverin) ويُعرف علميًا باسم (فلوفوكسامين Fluvoxamine) بتركيز خمسين مليجرامًا. عليك أن تبدأ بتناول نصف حبة ليلاً بعد الأكل لمدة عشرة أيام، ثم بعدها تتناول حبة كاملة. وسيظهر التحسُّنِ في خلال شهرين إن شاءَ الله.

تبدأ بنصف حبة، لماذا؟ لتجنب الآثار الجانبية التي قد تظهر في بداية العلاج، وهي آلام في المعدة وشعور بالغثيان.

في كثير من الأحيان يستجيب المرضى لهذه الجرعة، أي خمسين مليجرامًا (حبة واحدة) يوميًا، وقد تحتاج إلى الاستمرار في العلاج لفترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، ولكن بعد مرور شهرين من تناول الدواء، إذا ما زالت الأعراض والوسواس القهري في ازدياد، فيمكن زيادة الجرعة إلى حبة ونصف، أو حبتين، أو حبتين ونصف، وصولًا إلى ثلاثة حبات، هذا إذا لم تظهر الأعراض الجانبية التي ذكرتها، وهي الغثيان وآلام البطن، أي يمكن أن تتناول ثلاث حبات في حالة عدم الاستجابة للجرعة الأولية، ولكن إذا حدثت الاستجابة والتحسُّنِ بعد المُدة الكافية التي ذكرتها - وهي شهرين - فعليك بالاستمرار في تناول حبة واحدة.

هذا مرض، وباتباعك للتعليمات والإرشادات التي ذكرتها من ناحية العلاج السلوكي المعرفي لمنع الاستجابة للوسواس القهري، والتزامك بتناول الحبوب التي ذكرتها، فبإذن الله تُشفى من هذا المرض، وتعيش مرتاحًا مع هذا الشخص الذي يُعايشك.

وفقك الله، وسدَّد خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً