الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح في التعامل مع خلاف الوالدين المؤثر على دراسة أولادهما.

السؤال

السلام عليكم..

في البداية أحييكم على جهدكم الطيب هذا، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامة.

مشكلتي معقدة بعض الشيء، فمنذ أن وعيت هذه الدنيا ووالداي في خلاف دائم، فهما متناقضان تماماً، والدي بخيل جداً لا يفكر إلا بالمال ولا يحس بأولاده، ووالدتي تحب صرف الكثير من الأموال على المظاهر الاجتماعية.

وصل الخلاف بينهما إلى الضرب والشتم وما إلى ذلك، ومما زاد الطين بلة أن أهل والدتي حقودون يحسدونه على أمواله، فأصبح يكرههم ولا يريد زيارتهم ولا يريدنا أن نزورهم، وعندما أزورهم ينظرون إلينا على أساس أننا سعداء لتوافر المال لدينا، ونحن في الواقع نعيش أتعس حياة في العالم، مما زاد من كرهي وحنقي عليهم، وإن أحس والدي بشيء من ذلك يفرح، ويظن أنني أصبحت معه ضد والدتي وأقاربها، وإن أخفيت شعوري هذا يبتزني بألا ينفق علي.

المشكلة بأن أمي أيضاً تعاني من ظلم أقاربها لها، كل من حولي يفكر بالمال، لا يهمهم شيء سوى المال، المال في نظرهم هو السعادة الحقيقية، أصبح كل من والديّ يريد أولاده له فقط، فإن قلت كلمة طيبة أو تقربت لأحد منهما يتهمني الآخر بأنني لا أريده وأنني أشكل حزباً مع أحدهما ضد الآخر.

حاولت أن أقنعهما بأننا نريدهما الاثنين، ولكن بدون فائدة، وحاولت كثيراً أن أشرح لهما أخطاءهما باللين، وحاولت مراراً مع أمي لكي تكبر عقلها قليلاً وتنسى هذه الأمور حتى أنهي أنا على الأقل دراستي الجامعية وأشتري لها كل ما تريد، فقالت لي: أتريدنا أن نموت من أجلك، لكنهما للأسف لا يحسان أنهما مخطئان، كل منهما يدعي أنه ليس كذلك وأني أتهمهما بالباطل، كأنها أمراض نفسية تسيطر على عقولهم ولا يدرون عن أنفسهم.

المشكلة الآن أننا على أبواب الجامعات، ولا يريد أن يدرس إخوتي التخصصات التي يريدونها بحجة أن هذه التخصصات لا تدر عليهم الكثير من الأموال، ولأنه لا يريد أصلاً أن ينفق على دراستهم الجامعية، بل يريد أن يدرسوا على حساب جهة معينة حتى لا يتكلف شيئاً، ويبدءوا بجمع المال مثله وبأسرع وقت ممكن، فقام البيت ولم يقعد وبدأ النزاع المعتاد.

وفي اليوم التالي فوجئنا جميعاً بأن أحضر ورقة لوالدتي من المحكمة يريد أن يطلقها، وهددنا بأن من يريد الذهاب مع أمه فلن ينفق على دراسته الجامعية، ولن يدفع لي لكي أكمل دراستي، وجهوني للتصرف الصحيح فالرعب يسيطر علينا جميعاً لدرجة أن أصدقائي في الجامعة يقولون لي: ما بالك تبدو خائفاً دائماً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه لمن المحزن حقاً أن يفتح الطفل عينيه ليجد الخلاف والشقاق بين أحب الناس إليه، وليت الآباء والأمهات أدركوا خطورة التوترات التي تحصل تحت سمع وبصر الأبناء، ومدى تأثيرها على مستبقلهم وتفكيرهم، والرمال المتحركة لا تنبت شجراً، ولا تخرج ثمراً، وكذلك الأسر غير المستقرة لا يمكن أن تقدم للمجتمع أسوياء إلا أن تدرك الأبناء عناية رب الأرض والسماء، وسبحان من يخرج الحي من الميت ويقدر الأشياء.

ولا شك أن البخل داء عضال كما أن الإسراف فعل الجهال، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، ولعل مما زاد المسألة تعقيداً خروج المشاكل إلى الخارج وتحزب الأهل إلى فريقين، فإن هذا مما يعيق الخلاف ويضيع فرص الوفاق ويدفع الأبناء للحيرة والتردد والهروب من المنزل، وربما -والعياذ بالله- الانحراف.

وقد أحسنت بحرصك على إرضاء الجميع فإن ذلك هو ما يجلب رضا ربنا السميع، ولا عذر لك إن قصرت في حق أحدهما، واحرص على أن تكون رسول خير وإصلاح تقول خيراً وتنمي خيراً، ولن يخيب عند الله مسعاك، واجتهد في نصح إخوانك وسد حاجتهم من العطف والاهتمام والتوجيه والأمان، وأرجو أن تجد معونة العقلاء من الأعمام والفضلاء والأخوال والعلماء، وارفع كف الضراعة لمن يجلب الخير ويدفع الضراء، وشجع إخوانك على الصلاة والذكر والدعاء، وتمسك بدرب الصلحاء الأتقياء، وعمروا داركم بالعبادة والصفاء.

وأرجو ألا تشعرهم بأنك تتهمهم ولكن ذكرهم بالأضرار وخوفهم من غضب الجبار ثم من سخرية البعيد والجار، وانقل لهم أحسن ما عندك من الأخبار، واعلم أن إدخال الشرور عليهم يجلب لك سعادة الآخرة والتوفيق في هذه الدار، وقل لوالدك: نحن أبناؤك ونجاحنا فخر لك ونحن سعداء بك، وقل لوالدتك: شكراً لك على كرمك وإحسانك وسهرك لراحتنا ونحن أولى من غيرنا بالإنفاق عليك.

وحاول أن تقول لوالدك: إن فلاناً أنفق على أبنائه ودرسهم في أحسن الجامعات وها هو ذا يفتخر بهم في المجتمعات، وأنت لم تقصر معنا في السابق، ولن تقصر معنا في المستقبل بإذن الله، واجتهدوا في كتمان ما سمعتم من أخوالكم، واطلب مساعدة العقلاء من أهلك وجيرانك.

وأرجو أن تكون الأولوية لاستقرار الأسرة، وحاولوا مناقشة الدراسات الجامعية بعيداً عن بيئة التوتر، واجعلوا أمر الدراسة بينكم وبين الوالد، وحبذا لو تولى النقاش مع الوالد فيه طرف ثالث محايد، واطلب من والدتك أن تلزم الصمت وتحرص على المحافظة على استقرار أسرتها وأن توصل مشوار الصبر فإن العاقبة للصابرين، ولا تظهروا الانحياز لطرف دون الآخر فإن ذلك يوغر الصدور ويعجل بالشرور.

ونحن ننصحك أن تكون الدراسة بحسب الميول والمواد المحبوبة للطالب، وليس بالمحاكاة وطلب كليات معينة من أجل الوجاهة أو العائد المادي، فإن الأرزاق بيد الله، وكم من رجل لم يتعلم وهو لا يعرف لأمواله عدداً.

وعليك بتقوى الله والصبر، ودعوة الوالدين للاستغفار والذكر حتى لا تتاح الفرصة للشيطان فينهدم البنيان.

ونسأل الله أن يلهم والديك الرشد، وأن ينفع بكم بلاده والعباد.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً