الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما منزلة بر الوالدين وثواب الصابرة على وفاة أمها ؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا فتاة أبلغ من العمر (26) عاماً، توفيت أمي منذ عام بمرض خطير، ويشهد الله أني كنت أرعاها وأرعى أسرتي طول فترة مرضها، وبعد وفاتها تحملت أنا مسئولية الاهتمام بشئون المنزل وإخوتي الاثنين.

بعد الوفاة صدمت صدمة شديدة، ولكني تحملت الحزن والألم؛ حتى لا أبدو ضعيفة أو مدعاة للشفقة من أحد، أنا أتألم نفسياً جداً، ولا أستطيع النوم من كثرة التفكير والألم، مررت بخطبتين فاشلتين وأحمل بداخلي جراحا كثيرة، والآلام أكثر.

أريد أن أعرف: هل لي ثواب عند ربي على صبري واحتسابي في وفاة أغلى إنسانة في حياتي، وتحملي مسئولية الأسرة؟ أم أن هذا واجب علي وموقف وضعت فيه رغماً عني؟ ولكم جزيل الاحترام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ رؤية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإن الإحسان للوالدين واجب من الواجبات، وهو عمل جليل مقدم على سائر النوافل والتطوعات، وليس أرفع منه إلا الفرائض المكتوبات، وهذا رجل من السلف ظل يدلك رجل والده ليخفف عنه الألم واستمر على ذلك حتى أصبح، وفي الصباح قال: (والله لا أبالي بعبادة من صلى حتى أصبح)؛ لأن الذي صلى النافلة يقوم بعمل طوعي وهذا كان يؤدي واجباً من الواجبات.

وقد عظمت الشريعة حقوق الوالدين فجعلت رضا الله في رضاهما، وربط الله سبحانه في كتابه بين عبادته وطاعتهما، حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: (لا يقبل الله عباده من لا يطيع والديه).

ويتأكد هذا الواجب في حال الكبر والمرض، قال تعالى: ((إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:23-24].

وأرجو أن تتأملي هذا التصوير البديع: هل رأيت الطائر حين يحمي صغاره بجناحيه من الحر والبر والمطر؟ إنها صورة تدل على غاية الرفق وكمال الشفقة، وهذا الذي أراده ربنا منا تجاه من كانوا سبباً لوجودنا بعد الله.

وأرجو أن تحمدي الله الذي وفقك للوقوف مع والدتك، وأبشري بجزاء الدنيا مع ما ينتظرك في الآخرة بفضل الله ورحمته، وذلك لأن بر الوالدين من الطاعات التي يجازى عليها الإنسان في الدنيا عافية وتوفيقاً، أو مالاً وسعادة وبراً في الأولاد وتوفيقاً للطاعات.

وقد ضرب السلف الكرام أروع الأمثلة في الشفقة والإحسان، فهذا أحد السلف مرض أبوه فوضع يده الأولى تحت رأسه وكان يدلك بالأخرى بطن والده، وظل كذلك حتى أصبح كراهية أن يوقظ والده حتى شلت يده، وقد جاء في حديث الثلاثة الذين انسدت عليهم الصخرة فتوسلوا إلى الله بأخلص وأصدق أعمالهم، فقال أحدهم: (كان لي أبوان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً )، إلى أن قال: ( فمكثت والقدح على يدي والصبية يتضاغون حتى بزغ الفجر).

وأرجو أن تعلم أن بر الوالدين لا ينقطع بموتهما، ولكن المسلم يدعو لوالديه ويستغفر لهما ويصل الرحم التي لا توصل إلا بهما، كما أنك مأجورة على قيامك بخدمة الأسرة، كما أن الأحسن لأفراد الأسرة نوع من الإحسان والبر للوالدين.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله والإحسان، فإن لله سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

وبالله التوفيق والسداد.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً