الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوحدة في فترة الطفولة وأثرها في تكوين الشخصية الانعزالية

السؤال

أنا فتاة طموحة جداً، وعقلي أكبر من سني بشهادة من حولي، مشكلتي أنني أعاني من عدم القدرة على اكتساب أصدقاء أو بمعنى آخر أن أتعلم كيف أحب الناس أو أندمج معهم، فأنا بنت وحيدة لأب وأم محبين.

عشت معظم حياتي في الغربة، وكنا نتنقل كثيراً وفارقت أصدقاء طفولة كثر، حتى قررت في داخل نفسي أنني لن أحب أحداً حتى لا أفارقه، وبالفعل في المرحلة الإعدادية (المتوسطة) كنت شديدة الغلظة مع كل من أتعامل معهم أو قاسية ظاهرياً.

كنت لا أحاول التكلم عن ما أشعر به، لا أتكلم كثيراً أصلاً، أما الآن وبعد عودتي إلى بلدي منذ 5 سنين بدأت أنبسط مع الناس أكثر، اشتركت في أنشطة كثيرة جداً مثل صناع الحياة، وخرجت إلى الدنيا، وبدأت أنضج أكثر وأكثر، وأسرع ممن هم في سني.

ولكني لا زلت أشعر أنني متأخرة في التعبير عن مشاعري، لي أصدقاء كثر ولكني لا أتقرب لأحد أكثر من اللازم، متمركزة حول نفسي، أعيش في عالمي الخاص ولكني لست أنانية أو متسلطة، أريد أن يكون لي أصدقاء أحبهم قبل أن يحبوني.

أريد أن أتعلم كيف أكسب الناس، فبالرغم من أني قد أكون طوال اليوم مع الناس إلا أنني عندما أعود في المساء أشعر أن علاقاتي كلها سطحية جداً، أشعر بالوحدة الشديدة، ومعظم الوقت منعزلة، فهل تنصحني مثلاً أن أذهب إلى دار أيتام أسبوعياً؟ هل هذا هو الحل أن أعطي أو آخذ؟

إنه ليس بحل لأني حتى لو فعلت هذا سأظل وحيدة، إن كل ما أريده هو أن يكون هناك أشخاص في عالمي، حتى أمي لم أدخلها في عالمي مع أنني أعيش معها منذ أن نزلنا إلى بلدنا، ولكننا منفصلتان، أنا لا أجد أحداً أحكي له همي، هل أذهب لشخص غريب أو طبيب نفسي لأحكي له؟ لا أدري هل أنا أنانية. كيف، ولماذا؟ أنا لا آخذ شيئاً من أحد لأنه لا أحد، وبالمناسبة أنا لم أفكر في هذا الموضوع منذ أكثر من سنة.

كنت ماضية في طريق حياتي، أعلم نفسي، أحاول أن أشغل وقتي فيما ينفع، ماشية على الخطة التي أرسمها لنفسي؟ ولكن ما جعله يطفو على السطح أنني كنت في دورة مفاتيح النجاح ورأيت كتاباً عن التخطيط مع المدرب كنت قد قرأته، فسألته عن رأيه فيه فقال لي أنه حضر منه مادة علمية عن تحديد الهدف في الحياة.

وأنا كنت قد قرأته من قبل وحددت فيه رسالتي ورؤيتي في الحياة، المهم قرر المدرب أن يجعلني الشخص الذي سوف يطبق عليه تمرين الحصيلة الذي يؤدي إلى تحديد الرسالة في الحياة، فوجئت بعد هذا التمرين أن كل الكلام الذي قلته هو الثقة بالنفس، الاستقلالية، مجاهدة النفس، كله كلام عن النفس لا يوجد آخرين.

ولأول مرة أشعر بالفراغ الذي في حياتي بهذه القوة فماذا أفعل؟ المشكلة أني لا أعرف ما هي المشكلة؟ هل أحتاج لطبيب أم أن دوائي في داخلي وما أشعر؟ ودائي مني ولا أبصر؟

أحياناً أشعر أن الوحدة تمزقني، وأنا وسط الناس بالرغم من أني مبتسمة دائماً، وأنا معهم إلا أن هناك نظرة حزن في عيني لا أستطيع أن أخفيها، وكل الناس يرونها لماذا هذا الحزن؟ صدقني لا أدري أتمنى أن أعرف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

حقيقةً هذه الرسالة المفصلة، والتي احتوت على كثيرٍ من إيلام الذات دون مبرر، تدل على أن توقعات الإنسان هي المسئولة عن قدر كبير من الحزن والضغط الذي يُعاني منه.. فأنت تتوقعين أو تريدين أن تكون الأمور على نمطٍ معين، وتريدين من نفسك أن تتصرفي على نمط معين، وكذلك الآخرين بأسلوب معين، ولا يحدث الأمر كما كنت تتوقعين، وهذا بالطبع يؤدي إلى شعورك بالضيق والانزعاج، وخيبة الأمر، وعدم السعادة، ولكن الذي يجب أن نفهمه أن الحياة نادراً ما تأتي كما نتوقع أو كما نحب.. هذا هو الضروري بالنسبة لك.

أنا لا أدعوك إلى نظرة تشاؤمية، ولكن أرجوك أن تكوني واقعية، وأن تستفيدي من مقدراتك الكبيرة والجميلة هذه.

إذن: القضية الأساسية هي موضوع التوقعات، فأنت مطالبة بأن تكوني واقعية في توقعاتك، وأرى أنك تحكمين أحكاماً قاسية على نفسك، فكوني أكثر تواضعاً مع نفسك، فكما أنت كثيرة التواضع مع الآخرين فلا تبخلي بذلك على نفسك.. وأنت والحمد لله ذات مقدرات عالية كما قلت، ولابد أن تستشعري ذلك، ولكن لا تفرضي هذه الرقابة الذاتية الشديدة والمتسلطة على الذات، فاتركي لنفسك مجالاً من العفوية إذا أردت.. هذا هو الأفضل…لا تتسلطي ولا تفرضي هذا التدقق الشديد على ذاتك.. فهذا هو الذي أراه.

نعم؛ الأمر يتطلب الثقة بالنفس، ويتطلب الاستقلالية، ويتطلب مجاهدة النفس.. وأنت لست أنانية مطلقة، ولكن -كما ذكرت لك- رقابتك مطلقة وشديدة على نفسك، وعليه أرجو أن تتعاملي مع الذات بصورةٍ أكثر استرخائية.

أنت الآن تبلغين من العمر الثامنة عشرة، وأنت طالبة بكلية الهندسة (قسم الكيمياء) وهذا يدل على تفوقك وعلى مقدراتك الكبيرة إن شاء الله، فسخِّري هذه الطاقات في هذه المرحلة من أجل الدراسة، ومن أجل التفوق، ومن أجل الإنجاز، فعلم الكيمياء من العلوم الممتازة والممتعة والواعدة، والتي تفتح آفاقاً كبيرة للإنسان.

ولابد أيضاً من أن تجعلي نفسك منبسطة ومنشرحة، فاقبلي نفسك بصورةٍ أوسع، لا أقول لك اعملي بدارٍ للأيتام، ولكن كل ما تريه مفيداً في حياتك يمكنك أن تقومي بأدائه، قسمي وقتك ونظميه بالصورة المطلوبة، ولا تتركي لنفسك العيش مع هذه الخيالات الشديدة والمفعمة بالصرامة الذاتية.

لا تنظري للأمور بسوداوية تتغشاها بعض الأفكار الفلسفية، وهذا هو الذي ربما يؤدي إلى اضطراب في الشخصية وعدم اتزان أبعاد الشخصية.

أنا أتصور أن هذه المرحلة العمرية قد يحدث فيها مثل هذا التفكير النمطي، ولكن أريدك أن توجهي طاقاتك نحو دراستك ونحو ما هو أفضل وما هو أنفع.

لا أعتقد أنك تُعانين من الوحدة، ولكن مفهومك نحو التواصل ربما يكون مختلفاً، وهذا هو الذي جعلك تُعانين من هذه الوحدة.. فأنت لديك والحمد لله أهل وصديقات وزميلات في الكلية، وهذه كلها آفاق للتواصل، والتواصل الجيد مع الآخرين.

أنا لا أرى أي نظرة حزن في عينك مطلقاً، وذلك من خلال رسالتك، فقط عليك بالثقة، وعليك بالمثابرة، وعليك بالتفكير الواقعي المعقول.

وأكرر: أرجو أن تسخري طاقاتك نحو دراستك.. فأنت والحمد لله صاحبة أفكار ومقدرات معرفية عالية، أنا لا أقول ذلك من قبيل المجاملة، ولكن أحسسته من خلال رسالتك.. فهذه طاقات عظيمة يمكن أن توجه إلى ما هو أنفع.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأرجو أن تطمئني أن هذا الأمر في نظري هو أمر مرحلي وسوف ينتهي.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً