الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلم هو طريق طالب الدنيا وطريق طالب الآخرة

السؤال

أنا طالب علم لا أعمل، لي ثلاث أخوات تزوجن بحمد الله، وأنا أصغر إخوتي (نحن أربعة)، وأريد الآن السفر إلى الجامعة الإسلامية لأتعلم هناك؛ حيث إنهم يكفون طلاب العلم مئونة الدنيا من مطعم ومسكن وغيره -بارك الله فيهم- ليتفرغوا للعلم فقط، وأمي والحمد لله تشجعني على ذلك السفر، إلا أن أبي الذي كان يحثني على السفر من أجل المعاش (خشية الفقر) يرفض ذلك السفر الديني الأخروي، الذي أسأل الله إن قدره أن يجعله خالصاً لوجهه، قائلاً: كن مع أبيك وأمك إن احتاجوا شيئاً. ويقول لي: هل لو تخرجت من هذه الجامعة ستجعل لك مرتباً بعد التخرج تعيش منه أم ستتركك؟

وهذا السؤال في الحقيقة لا أعرف إجابته، ولكن هذا هو حالي ولا أدري ما أفعل؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد قال علي رضي الله عنه: (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم) ولا يخفى على أمثالك أن الله سبحانه تكفل بالأرزاق، وأمرنا بالسعي في الأرض وفعل الأسباب، قال في كتابه: ((نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى))[طه:132].

وقد أحسنت في الذي عزمت، وأسعدتني موافقة الوالدة، وليعلم والدك أن طلاب الجامعات الإسلامية من أهنـأ الناس عيشاً، فهم يصلون ويؤجرون، ويعلمون الناس ويؤجرون، ويقرؤون كتاب الله ويؤجرون، وهم بذلك يُعطون الأجر مرتين، ولكني أنصحك بأن تجعل نيتك لله خالصة، ولن يضع الله من أخلص وصدق، وسوف تنال بتوفيق الله الدنيا والآخرة، كما أنه لا يخفى على أمثالك أن العمل موجود لكن العلم مفقود، والعاقل يحرص على تحصيل المفقود خاصةً إذا علمت أن الأرزاق تكفل بها ربنا المعبود، وهو الذي رزق الآباء والجدود، ورزق الطير والدود، والنمل والحوت، وقد قال عليه صلاة الله وسلامه: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

وأرجو أن تحرص على إرضاء والدك، وامض لما عزمت له، والزم طريق المتقين، فإن الله تكفل بتيسير أمورهم، ووعدهم برزقٍ لا يحسبونه، ومن الذي أقبل على الله ولم يوفقه؟ فأكثر من الذكر والدعاء، واعلم أن الاستغفار يفتح الله به أبواب السماء، ويرزق به الأموال والأبناء، ويجري به الأنهار والنعماء، قال تعالى: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا))[نوح:10-11]، وبالشكر تدوم النعم وتزداد: ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ))[إبراهيم:7]، وبالاستقامة تنزل الخيرات قال تعالى: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا))[الجن:16]، والصدقة تفتح أبواب الرحمة والرزق فإن الكريم سبحانه أكرم ممن يبذل من رزق الله.

واعلم أن العلم أفضل من المال، فالعلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكوا بالإنفاق وهو خفيف المحمل عظيم القيمة، فإن قيل ما بالنا نرى بعض العلماء بأبواب الأغنياء، قلنا لعلمهم بفضل المال وجهل أصحاب الأموال بفضل العلم، وقد علم الله نبيه فقال سبحانه: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا))[طه:114]، مع أنه لم يطلب التوسعة في الدنيا، بل كان يريدها كزاد الراكب، بل كان عليه صلاة الله وسلامه يجوع يوماً فيصبر ويشبع يوماً فيشكر.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، وبالحرص على طلب العلم، وكن براً بوالديك، واجتهد في إرضائهم فإن ذلك مفتاح لكل توفيق وخير.

ونسأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح.
وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً