الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة لفتاة ابتزها مراسلها في النت بأخذ رأس مالها

السؤال

تعرضت لعملية نصب واحتيال، وما هذا إلا ابتلاء من رب العالمين على أخطاء غيري من إخوتي وأخطائي، فإنه من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، فلا أخفيكم كيف أنني أعيش وحيدة وانطوائية في منزلي، فلا أخ يتحدث إلي، ولا أخت تواسيني، ولا حب أشعر به ولا حنان.

أصبحت لدي حالة نفسية، وبدأت وشرعت في بحث الحب الإلكتروني، فنصب علي من وعدني بالزواج، وأخذ مني رأس مالي، وهو مبلغ أربعون ألف درهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أخبرت أخي بالموضوع فبدأ بتأنيبي، فأصبحت لا أنام، ولا أجلس إلا وأبكي على حالي، وعلى حال أهلي إن علموا بالموضوع، قلت لأخي انس المبلغ، والله كفيل بابن الحرام، واستر علي ولا تخبر أبي أو ترفع القضية في المحاكم، ولكنه أصر أن ينتقم ويأخذ حقي غصباً عن الجميع، وأن هذا الأمر ربما سينتشر بين أقربائي وأهلي، فلا أستطيع حينها التنفس أو الضحك أو الزواج، بل أغمر رأسي في التراب، وماذا عساي أن أفعل الآن؟ أشيروا علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن رأس مال الفتاة هو إيمانها بالله، ثم ما وهب الله من عفةٍ وحياء وسمعةٍ، وإذا سلم للإنسان دينه وعرضه فإن المصيبة هينة، وقد أحسن من قال:

أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض في المال

وقد وصف أحدهم من يهتم بالمصيبة في الأموال وينزعج لذهابها وهو لا يبالي بأمر الدين بقوله:

أبني إن من الرجال بهيمة *** في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل مصيبة في ماله *** وإذا أصيب بدينه لا يشعر

والمال عاريةٌ مستردة، وهو يذهب ويجيء، ويمنحه الله للكافر وللمسلم ولمن يحب ولمن لا يحبه، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه سبحانه.

فهوني على نفسك، واكتمي ما حصل، وبيني لأخيك ما يترتب على إعلان هذا الأمر من أضرار عليك، وأرجو أن يكون الذي حصل عبرة لك وعظة، والمؤمنة لا تلدغ من الجحر الواحد مرتين.

ونحن نتمنى أن تخرجي من عزلتك، واعلمي أن أمر المؤمنة كله لها خير وليس ذلك لأحد إلا لأهل الإيمان، إن أصابهم سراء شكروا فكان خيراً لهم أو أصابتهم ضراء صبروا فكان خيراً لهم.

ولا شك أن دوافع أخيك خيرة، ولكن الأمر يحتاج إلى حكمة وحنكة وموازنة بين الأضرار الحاصلة الآن، وبين ما يمكن أن يترتب على انتشار الأمر من أضرار وهتك الأستار، وإساءة للظن، ونحن في زمان قل أن يجد فيه الإنسان المعاون الصادق، وأكثر الناس همه الشماته ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ثم بضرورة التعامل مع الأمر بنفس راضية؛ لأن المؤمنة ترضى بقضاء الله وقدره، بل إن السلف كانوا يشكرون الله حتى من خلال المصائب، كما قال عمر رضي الله عنه: ( ما أصابتني مصيبة إلا وحدث أن الله قد أنعم عليَّ فيها بنعم أربع: أولها أنها لم تكن أكبر مما كانت.
2- أنها لم تكن في ديني.
3- أن الله صبرني عليها.
4-أن الله ادخر لي أجرها.

فإن المصائب مكفرات للذنوب وفيها جلب للحسنات والدرجات، وإذا صبر الإنسان ورضي بما قدره رب الأرض والسموات، وما من إنسان إلا ويفرح ويحزن، ولكن أهل الإيمان يجعلون فرحهم شكراً، وحزنهم صبراً، ولا أظن أن الانطواء والبكاء والجزع يمكن أن يرد المفقود، ولكن عليك بالدعاء والتوجه إلى من يكشف الضراء، وأبشري فإن الله ينتقم من الظالمين.

كما لابد أن تعلمي أن الذي مر عليك هو درس وعبرة، وفرصة لتصحيح المسار، والخوف من غضب الجبار، الذي يستر على عبده وهو يعصيه، فأرجو أن تكوني قد استفدت من هذه التجربة، واعلمي أن الحب الحقيقي إنما يكون بعد الزواج، وما سواه فأحلام وردية كما قد رأيت بأم عينك، والشيطان حريص على الإيقاع وتزيين الكلام، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، واعلمي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهذه فرصتك بالتوبة، وإذا علم الله صدق نيتك فسيرزقك الزوج الصالح الذي تجدين معه الحب الحقيقي الذي كنت تحلمين به، بل وأحياناً فوق ما تحلمين، وهذا بقدر صدقك مع الله، فربك لن يضيع عبداً أطاعه وعاد إليه، وإذا كان هذا حلمه وستره على من عصاه، فما ظنك بفضله وكرمه على من أطاعه!

ونسأل الله لك السداد والحفظ والصواب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً