الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحسرة والحزن على المؤمنين العصاة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ ملتزمةٌ ولله الحمد، ولكني أعاني من كثرة الفتن في حياتي، ولقد حاولت مراراً أن أتغلب عليها ونجحت في كثيرٍ منها، ولكن ما زلت أُجاهد نفسي.
ومشكلتي هي أني إذا صادفت أُناساً في حياتي، وكانوا نماذج سيئة، فلا أدري لماذا أُفكر بهم دائماً، وأتذكر عِظَم ذنوبهم، وأشعر بأنهم لا يشعرون بعِظَم ذنوبهم، وأنهم يعصون الله الذي يسَّرَ لهم الخير، ورزقهم الحياة الطيبة؟! ولقد تعبت نفسياً من كثرة التفكير فيهم، وحتى عندما أُقارن بين حياتهم وحياتي أجد أن الله قد رزقهم الكثير ولكن لا يشعرون.

لقد حاولت أن أشرح مشكلتي، وأتمنى أن تكونوا قد فهمتم ما أعنيه، وأسأل الله أن أجد الحل لديكم، وأن أجد جواباً يريحني.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن من نجحت بتوفيق الله في النجاة من كثيرٍ من الفتن قادرةٌ بحول الله وقوته أن تواصل مسيرة النجاح، وهنيئاً لنا بصاحبات الهمم العالية، ونسأل الله لنا ولك العفو والعافية، وأبشري فإن الله سبحانه يقول: (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ))[العنكبوت:69]، ومرحباً بكِ في موقعك بين آباء وإخوان يسعدهم أن تكون في بناتنا من أمثالك، وشكراً لك على اهتمامك بالعصاة وباغتمامك لحالهم، وردِّدي بلسان أهل الإيمان: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاهم به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.

وأرجو أن تعلمي أن رؤية النماذج السيئة لا تزيد المؤمنين إلا إيماناً وثباتاً؛ لأن السعيدة تُوعظ بغيرها، والشقيَّة يجعلها الله عِبرة لغيرها، وأما كون الدنيا بأيديهم؛ فإن الله سبحانه ما رضي الدنيا وطناً لأوليائه، وذلك لحقارة الدنيا، ولو كانت لها عند الله قيمة ما سقى الكافر منها جرعة ماء، والدنيا هي سجن المؤمن وجنة الكافر، مع أنه فيها لا يسعد، ولكن ذلك مقارنةً لما ينتظره من وبالٍ وعقاب، والدنيا نعيمها ينقص وأهلها في خوفٍ وقلقٍ واضطرابٍ وأمراض، ولا يجد الإنسان لتصوير حال العصاة أبلغ من قوله تعالى: (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ))[طه:124]، فلا تغتري بما يظهر عليهم؛ فإنهم لا ينامون إلا بالحبوب المهدِّئة.

وأرجو أن نعلم أن أخطر ما يسلطه الله على العصاة هو استدراجهم؛ ونجد ذلك في كتاب الله، فقد قال سبحانه: (( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ))[الأنعام:44] كان المنتظر أن يقول سبحانه: انتقمنا منهم، ولكن استمعي إلى بقية الآية (( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ))[الأنعام:44]، أي: بائسون من كل خير.

وهذه وصيتي لكِ بتقوى الله، وأرجو أن تقومي بدورك في نصح أخواتك الغافلات، ولتشكري الله على ما وهبك من الدين والخير، واعلمي أنه سبحانه يعطي الدنيا لمن يحب، ولمن لا يحب ولكنه سبحانه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه، وقد قال سبحانه لنبيه: (( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ))[طه:131]، ثم قال: (( وَرِزْقُ رَبِّكَ ))[طه:131] من النبوة والخير والدين (( خَيْرٌ وَأَبْقَى ))[طه:131]، ثم وجَّهَهُ ووجَّهَنَا فقال: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ))[طه:132]، والإنسان عليه أن يُذَكِّر إن نفعت الذكرى، وما على الرسول إلا البلاغ، وما ينبغي للإنسان أن يحزن إذا تأخرت الهداية، ولذلك قال الله لنبيه: (( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ))[طه:1-2]، وقال تعالى: (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ))[الكهف:6]. ونسأل الله لك السداد والثبات.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً