الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسوسة الشيطان بعد العمل بأنه غير مقبول

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أعبر عن سعادتي للكتابة لكم وعن تقديري لهذا الموقع النافع.

ومشكلتي هي أن الشيطان يجعلني أفكر أن أي عمل أقوم به سواء كان فرضا أو نافلة غير مقبول، مع العلم أني لا أبغي إلا وجه الله سبحانه وتعالى.

وعندما أجد أحداً لديه معلومات بشأن الدين فإني أحس بالضيق على الرغم أني والله أحارب هذا الشعور السيئ وأقول في نفسي ربنا يهدينا كلنا لما يحب ويرضا، لأني أكره هذا الشعور الذي لا يعلمه إلا الله، وأنا أخجل منه أمام الله ثم أمام نفسي، فماذا أفعل للقضاء على هذا الشعور.

ثانياً: يتملكني إحساس بأني ضعيفة وألجأ إلى الله في كل شيء حتى أخفي هذا الشعور، فإني أحس أن حياتي غير سعيدة في بعض الأحيان وأستعيذ بالله من الحزن والهم ولكن عندما أجد هذا الإحساس أشعر بأن الدنيا سوداء أمامي ومظلمة، فأنا الحمد لله أصلي وأصوم النوافل وأقرأ القرآن، فماذا أفعل لكي أشعر بالاطمئنان والسكينة التي أتمنى من الله أن ينزلها في قلبي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونحن أيضاً إذا كنت سعيدة في الكتابة لنا فنحن أيضاً سعداء ومقدرين لك اتصالك بنا وثقتك فينا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا خيراً مما تظنين وأن يغفر لنا ما لا تعلمين، وأن يعيننا على خدمة جميع المسلمين، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يوفقك في دراستك، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة.

أما عن مشكلة الشيطان وحرصه على أن يلقي في نفسك دائماً بأن أعمالك غير مقبولة، فهذا أمر طبيعي جدّاً لأنك تعلمين أن الشيطان هو أعدى أعداء الإنسان، ولذلك لا يريد له الخير أبداً، والدليل على ذلك حسده على أبيك آدم وأمك حواء عندما كانا في الجنة وحرصه الدءوب على أن يحرمهما من هذه النعمة حتى استطاع ذلك فخرجا من الجنة إلى دار النصب والتعب.

الله تبارك وتعالى يقول: (( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))[يس:60]، فالله سبحانه وتعالى حذرنا من كيد الشيطان وحذرنا من مكره وبيَّن أنه أعدى أعداء الإنسان، ولكن – مع الأسف الشديد - أختي الكريمة إيمان – إن المسلمين فقدوا هذا الفهم وفقدوا هذا الإحساس، ولذلك لا يفكرون في الشيطان أبداً ولا يفكرون بأنه يكيد لهم بالليل والنهار، ولذا ينظرون إلى غيره ولا يهتمون به رغم أنه أخطر شيء عليهم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن خطورته في عدة أحاديث ومنها: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها) فكل طريق تسلكينه - أختي إيمان – أو يسلكه أي مسلم ومسلمة فإن الشيطان يكون حاضراً فيه، حتى إذا أراد الإنسان أن يدخل دورة المياه – أجلكم الله – يكون موجوداً معه، وإذا أراد أن يأكل، وإذا أراد أن يشرب، وإذا أراد أن ينام، وإذا أراد أن يتوضأ، وإذا أراد أن يصلي، وإذا أراد أن يصوم، حتى في الحج والعمرة، يرسل الشيطان حملات حج كاملة بالمئات مع كل شخص يذهب إلى مكة حتى يتمكنوا من إغوائه أو إضلاله أو تقليل أجره أو حرمانه من الثواب.

ولذلك خطوات الشيطان بيِّنة، فالله تبارك وتعالى بيَّن أن للشيطان خطوات – مراحل – لا يأتي مرة واحدة ليقول للعبد اكفر، وإنما يأتي فيبدأ بالصغائر أولاً، فإن وجد أن الإنسان قد استجاب لها بعد ذلك يرتفع إلى الكبائر ويزينها له ويحببه فيها، ويجعلها بالنسبة له سهلة ميسورة، فإذا ما وقع في كبيرة من الكبائر بدأ يفتح عليه أبواب الابتداع في الدين وأبواب الدعوة إلى غير منهج الله رب العالمين، وهكذا يظل به إلى أن يصل إلى الكفر والعياذ بالله – وهذا ما قاله الله تعالى في قوله: (( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ))[الحشر:16].

فالشيطان لعنه الله حريص على إفساد الإنسان وإغوائه وحريص على صرفه عن الطاعة والعبادة بأي طريقة كانت، فهو الآن عجز أن يصرفك عن العبادة؛ لأن الله من فضله ورحمته ثبتك على الحق وشرح صدرك له وأعانك عليه فهزمته في هذا الميدان، فهو لا يريد أن يستسلم ولن يستسلم أيضاً؛ لأنه إذا كان قد أغوى آدم وهو نبي من الأنبياء فهل تظنين أنه سيستسلم لك؟! أبداً - أختي الكريمة – وإنما سيظل يغوي ويظل يغري ويظل يوسوس ويزين ويستعمل كل الأسلحة الممكنة حتى ينال منك شيئاً، فعندما عجز عن منعك من العبادة ومنعك من الطاعة ومنعك من الالتزام بالسنة بدأ يشكك في هذه الناحية، ولذلك لا تلتفتي لهذا الكلام ولا تعبئي به مطلقاً؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل لقبول الأعمال شروطاً -شرطان كبيران لقبول الأعمال- فالله تبارك وتعالى يقول في أواخر سورة الكهف: (( مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ))[الكهف:110].

إذن الشرط الأول: أن يكون العمل مطابقاً للكتاب والسنة، وهذا أهم شيء ينبغي عليك أن تلتزمي به - أختي الكريمة إيمان – أن يكون عملك فعلاً مطابقاً لكلام الله وكلام النبي عليه الصلاة والسلام وأن تتأكدي من ذلك وأنه ليس بدعة وليس من باب الأعراف والتقاليد التي انتشرت في بلاد المسلمين، وإنما عملٌ عليه دليل من الكتاب والسنة.

والشرط الثاني: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى، وأن تسألي الله تعالى أن يرزقك الإخلاص، ومعنى الخالص أنك لا تريدين مدحاً ولا ثناءً ولا إطراءً من أحد، ولذلك إذا صمتِ فلا ينبغي أن يعلم الناس أنك صائمة، وهكذا إذا صليت مثلاً في غرفتك فليس من اللازم أنك عندما تخرجي من الغرفة أن تقولي لقد صليت وقرأت سورة كذا، وإنما حتى عن أقرب الناس إليك اجتهدي أن تستري هذه الأشياء، وإذا ما تصدقت بصدقة أو ذكرت الله تعالى أو قرأت شيئاً من القرآن لا تخبري به أحداً وإنما دائماً بعد العمل قولي: يا رب تقبل هذا العمل واجعله خالصاً لوجهك الكريم.

بهذه الكيفية - إن شاء الله تعالى – سوف تقهرين الشيطان في هذه المعركة أيضاً، وتنتصرين عليه في هذا الميدان.

اعلمي أن الشيطان يجرب ألف وسيلة ووسيلة، فإن نجح في وسيلة استمر عليها، وإن وجد أنها لم تجدي ولم تنفع انتقل إلى غيرها، ولن يكون هذا هو آخر العهد مع الشيطان وإنما ستظل المعركة حتى يخرج الإنسان من هذه الحياة.

أسأل الله لك التوفيق والثبات وأن يرزقك الله تبارك وتعالى العلم بكيد الشيطان، كما أنصحك - أختي الكريمة – أن تكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأيضاً أنصحك - بارك الله فيك – أن تكثري من الدعاء أن يدفع الله عنك كيد الشيطان؛ لأنه لن يدفع عنك كيد الشيطان إلا الله؛ لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً والإنسان ضعيفاً كما قال تعالى: (( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ))[النساء:28]، ضعيفان في معركة واحدة مستمرة لن ينتصر أحدهم على الآخر، ولكن عندما يأتيك المدد من الله سيمكنك من الشيطان وينصرك عليه، ولذلك عليك بالاستعاذة وعليك بالدعاء ولا تلتفتي لهذه الوساوس التي يلقيها في قلبك؛ لأن هذه لن تضرك شيئاً بإذن الله تعالى ما دمت لا تريدين من عملك إلا وجه الله.

أما بالنسبة لشعورك بأنك إذا وجدت أي معلومات تتعلق بالدين فتشعري بالضيق رغم أنك تدافعين وتحاربين هذا الشعور وتجتهدي على أن يدفعه الله تبارك وتعالى عنك وتكرهين هذا الشعور الذي لا يعلمه إلا الله وأنك تخجلين منه أمام الله سبحانه وتعالى، فماذا تفعلين للقضاء على هذا الشعور؟

أقول لك: هذه ليست كراهية بالمعنى وإنما كثير منا يخاف أن يقصر في حق الله تعالى وأن يفرط في حق الله عز وجل، ولذلك يتمنى أنه لم يكن يعلم؛ لأنه لو عرف الحكم لزمه العمل به، وهذا شيء طبيعي - أختي الكريمة – وليس بشيء - بإذن الله تعالى – مكروه أو مذموم، لأني لا أعتقد – بارك الله فيك أختي إيمان – أنك تكرهين الإسلام أو لا تحبينه، وإنما الأصل – كما ذكرت بارك الله فيك – أن الواحد منا يخاف أنه إن كلف بشيء ألا يُحسن تطبيقه، ولذلك كلما علم بحكم شرعي أو سمع به فإنه يترتب عليه أنه يخاف أن يقصر في هذا أو أنه لا يستطيع أن يقوم به على الوجه الذي يرضي الله سبحانه، فأرجو ألا تخشي من هذا ولكن اجتهدي في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك)، اجتهدي في هذا الدعاء لأن الله تبارك وتعالى أمر نبيه أن يدعوه بهذا الدعاء وأن يسأله إياه.

اجتهدي بارك الله فيك في ذلك ولا تقفي طويلاً أمام هذا الشيء، وسوف يذهب بإذن الله تعالى قريباً. عليك بالدعاء والاجتهاد في تنفيذ أوامر الله تعالى على قدر ما تستطيعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه قوله: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[التغابن:16]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا)، فنحن مطالبين - بارك الله فيك – أن نجد ونجتهد على قدر استطاعتنا، فكلما علمت معلومة شرعية فاجتهدي - بارك الله فيك – في تطبيقها، إذا كان هذا الأمر مقدوراً عليه، وإذا لم يكن مقدوراً عليه فاسألي الله تعالى أن يعينك على ذلك، وسوف يأخذ الله بيدك ويوفقك إلى ذلك؛ لأن الله قال: (( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ))[مريم:76].

فهذه الكراهية ليست كراهية في حد ذاتها وإنما هو خوف الإنسان من التقصير في حق الله تعالى، وشعوره بأنه قد يعجز عن أداء شيء يؤدي إلى هذا الشعور الذي ذكرته، وأسأل الله أن يكون من هذا الباب؛ لأن المؤمنة الصادقة التي تصوم وتصلي وتحافظ على النوافل وتقرأ القرآن تحب الله وتحب شرعه وتحب نبيه صلى الله عليه وسلم .

أما شعورك بأنك إنسانة ضعيفة وتلجئين إلى الله في كل شيء، هذا حقيقة شيء رائع؛ لأن مَنْ منا من يستغني عن الله عز وجل؟! إحساسك بالضعف واللجوء إلى الله في كل شيء حتى تُخفي هذا الشعور، فهذا ليس صحيحاً فلا ينبغي أن تخفي هذا الشعور أساساً لأنه أمر طبيعي؛ لأن الله تبارك وتعالى كل شيء بيده وهو على كل شيء قدير والثابت من ثبته الله، والغني من أغناه الله، والقوي هو من قواه الله، فكل شيء بيد الله تعالى، فشعورك بأنك ضعيفة وتلجئين إلى الله في كل شيء هذا شعور ممتاز وهذا شعور رائع ولا ينبغي أن تخافي منه أبداً وإنما الجئي إلى الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة؛ لأن النبي أوصانا بذلك عليه الصلاة والسلام عندما قال: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع) يعني: لو انقطع رباط الحذاء – أعزك الله – قال: اللهم إني أسألك رباطاً لحذائي. وكان أحد الصحابة – رضي الله تعالى منهم – يقول واحد : اللهم إني أسألك علفاً لدابتي وملحاً لطعامي، كل شيء يلجئون فيه إلى الله تبارك وتعالى، فالجئي إلى الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، واعلمي أن هذا من علامات الخير ومن علامات رضا الله تبارك وتعالى بك، أن يعلقك به سبحانه وتعالى جل جلاله، فالجئي إليه سبحانه ولا تشعري بشيء من الحزن أو غيره، وإنما استعيذي بالله تعالى أيضاً بالدعاء كما ورد في كلامك: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل... إلى آخر الدعاء المعروف، فتوكلي على الله وفوضي الأمر لله، واستعيني بالله في كل صغيرة وكبيرة؛ لأن الله تعالى قال: (( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ))[مريم:76]، واعلمي - أختي الكريمة إيمان – أنه إن لم يعنك الله تعالى فلن تعاني؛ لأن قوتك البدنية ضعيفة وقوتك العقلية متواضعة وقوتك المالية متواضعة، أنت وكل الخلق (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))[فاطر:15].
ماذا تفعلين حتى تشعري بالطمأنينة والسكينة؟ مع كثرة العبادة وكثرة اللجوء إلى الله تعالى سوف ترزقين هذه الطمأنينة والسكينة، ولكن أوصيك مع ذلك بالإكثار من الدعاء والإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإكثار من الاستغفار، كما أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبشري بفرج من الله قريب.

أسأل الله لك الهداية والرشاد والتوفيق والثبات وأن يجعلك من الصالحات، وأن يمنَّ عليك بقضاء حوائجك كلها في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً