الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الخوف من الجنون

السؤال

أنا فتاة كنت معاقة، وغابت عني أمي في أحلك الظروف.

برحيلها تركتني مع جدي وعماتي من أجل إرضائهم، وأنا أيضاً بقيت فقط من أجل إرضائهم .

وقعدت مع عائلتي؛ لكن عائلتي التي كنت معها لم يكن يمر علي يوم إلا بمشكلة، لم أكن أفعل شيئاً سوى البكاء وتذكر أمي الغالية.

وفي سن البلوغ لم تكن أمي بجانبي، فكدت أن أجن، ثم مرت الأيام وفي تلك الأيام كنت أعاني من فراغ شديد، كنت أقضي معظم وقتي في سماع الأغاني، والتفرج على التلفاز، وقراءة بعض القصص خاصة عن المحارم الذين يغتصبون محارم حتى حصلت لي عقدة من الأولاد جميعاً، بدأت أخاف من أي ولد، حتى إخواني، فكنت بمجرد قربي من ولد أحس بالخطر والرجفة والخوف الشديد، وإحساسات أخرى غريبة.

وفي يوم من الأيام وقد كنت عدت لأمي بأشهر فعدنا إلى أقاربنا لزيارتهم فقط، هناك حصلت صدمة، بدأت أتعب عندما أدخل غرفة مقفلة، وبدأت أسأل نفسي: لماذا خلقت هذه الدنيا من أجلي فقط؟ أحس وكأن العالم كله خلق من أجلي! إلى غيرها من الوساوس، وبفضل إيماني بدأت أتخلص من كل هذه الأمور تدريجياً، لكن هناك بعض المشاكل الصغيرة لازلت لم أتخلص منها، خصوصاً في ما يتعلق بالأولاد؛ لكن لم أعد أخاف منهم مثل زمان والحمد لله.

لم أعد أخاف من الأماكن المغلقة والحمد لله، ولم أعد أخاف من الخروج إلى الخارج .

لكن خوفي هل أنا أعاني من الجنون؟ كثيراً ما يتبادر لذهني أن عندي انفصاماً في الشخصية، وعندما أتخيل ذلك أكاد أجن، وإن كان بي هذا المرض أرجو أن لا تخبروني لأني أخاف جداً، وأتمنى أن لا أكون أعاني من مرض جنوني.

أرجو أن يكون مرضاً نفسياً لا غير، أرجو أن تخبروني الطريقة التي أتخلص فيها من مشكلتي مع الأولاد.

وفقكم الله لما يحب ويرضى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ M i حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

حقيقةً حين أنظر إلى مراحل حياتك السابقة أجد أن المخاوف التي تنتابك الآن ربما تكون هي ناتجة من الظروف التي مررت بها، ولكن بفضل الله تعالى نحن دائماً نرى أن الماضي مهما كانت فيه إخفاقات أو قسوة أو عدم ارتياح أو ظروف حياتية غير مواتية، فهو تجربة وليس أكثر من ذلك، والتجربة يستفيد منها الإنسان تماماً ليقوي حاضره، وليعيش مستقبله بأمل وتطور.

بالنسبة للأعراض التي تنتابك هي أعراض مخاوف عامة، وأتت عليها أعراض وسواسية والمخاوف، وكلاهما ينتمي إلى مجموعة القلق النفسي من الناحية التشخيصية.

إذن: أنت لا تعانين مطلقاً من مرض الفصام، وإن شاء الله ليس هنالك جنون أبداً، وحتى بالنسبة للمرض النفسي أنت لا تعانين من مرض نفسي حقيقي، وإنما هي ظاهرة نفسية، ولذا أرجو أن يكون أتاك الاطمئنان التام بأن حالتك ليست حالة مستعصية وليست حالة صعبة، ولا ترقى لمستوى المرض النفسي الحقيقي، وهي بعيدة كل البعد عن انفصام الشخصية أو الأمراض الذهانية الأخرى.
أنت الحمد لله تخلصت من معظم هذه المخاوف والوساوس، وأنت الحمد لله في سن تأهلك بأن تنظري إلى الأمور بنضوج واستبصار، وهذا حقيقةً يجعلك تتخلصين من كل المشاعر السلبية.

بالنسبة لمشاعرك حول الذكور وحول الأولاد والخوف من الاغتصاب، هذا الخوف هو جزء من شخصيتك حقيقة كما ذكرت لك، ولكن أنت الآن في مرحلة من مراحل النضوج التام التي تجعلك قادرة على حماية نفسك، والذي أنصح به بالطبع أن لا تنظري إلى كل الأولاد والرجال بأنهم أشرار، والرجال والأولاد هم إخوانك وآباؤك وأعمامك وأخوالك، ولا تنظري إليهم بالنظرة السلبية.

ولا شك أن قيام علاقتك مع الأولاد على ما هو شرعي هذا يشكل لك الحماية الكافية، أولاً بأن لا يحدث معك ما تخافين منه، وفي ذات الوقت من خلال التعامل الشرعي مع الذكور سوف يأتيك الاطمئنان التام.
هذا هو الذي أنصحك به، وهذا هو الذي أرجو أن تتخذيه كمنهج في حياتك.
إذن: التواصل على أسس شرعية هو الحل، والحل الثاني هو أن تنظري إلى الرجل النظرة الإيجابية، انظري إلى إخوتك انظري إلى محارمك من الذكور وهكذا.....

الشيء الآخر: بالنسبة للأفكار الوسواسية يجب أن تحقريها بعدم اتباعها والتقليل من شأنها، هذا إن شاء الله يُساعد على زوالها.

ثالثاً: أنت في حاجة إلى علاج دوائي بسيط يزيل إن شاء الله هذه المخاوف وهذه الوساوس، والدواء الذي أوصيه به هو عقار سيروكسات، ويسمى في الجزائر باسم ديروكسات، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة 10 ملم ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى 20 ملم ليلاً أي حبة كاملة، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، وهذه هي الجرعة العلاجية لحالتك، وهي تعتبر جرعة بسيطة جداً، وبعد مضي الثلاثة أشهر خفضي الجرعة مرةً أخرى إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن العلاج الدوائي.

وأؤكد لك مرة أخرى: أن حالتك بسيطة، وأنها مجرد مخاوف وسواسية، وهي ظاهرة نفسية ولا علاقة لها مطلقاً بالمرض العقلي أو الفصام، أكرر وأذكرك مرة أخرى أن الماضي الذي عاشه الإنسان يستفيد منه ويطور به حاضره ومستقبله.

أسأل الله لك العافية وبالله التوفيق والسداد.

د محمد عبد العليم.
_____________________________________________
ولمزيد من الفائدة فقد تم تحويل سؤالك على المستشار الشرعي الشيخ/ موافي عزب، فأفاد بالتالي:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يصرف عنك كل سوء وأن يُذهب عنك كل بلاء، وأن يُذهب عنك هذه الوساوس النفسية التي ألقاها الشيطان في نفسك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات العفيفات الفاضلات، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه.

بخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإن الظروف التي مررت بها في أول أيام حياتك ألقت بظلالها على بقيتها إلى الآن، حيث ترك الوالدة لك - حرصاً على إرضاء أقاربك أو جدك وجدتك ومن تقيمين معهم وعماتك – أدى إلى وجود فراغ نفسي لديك، ثم أنت حاولت أن تعالجي هذا الفراغ فقمت بعلاجه بطريقة غير صحيحة، فأضعت معظم الوقت في سماع الأغاني والتفرج على التلفاز وقراءة القصص التي تتحدث عن بعض المخالفات فيما يتعلق باغتصاب المحارم، كل هذه ألقت بظلالها على نفسك وعقليتك، لأنك في الواقع بعد أن قرأت رسالتك، وقرأت أيضاً استشارة الأخ الطبيب المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم - حفظه الله تعالى ورعاه - وجدت أنك لا تعانين من أي مرض نفسي ولله الحمد والمنة، وإنما هي أفكار ووساوس في طريقها - بإذن الله تعالى – إلى الزوال، لأنك الحمد لله في وضع أفضل وأحسن مما كنت عليه، وهذا يدل على أنك في حال تطور دائم ولله الحمد.
أما كونك تشعرين في داخل نفسك من أنك مصابة بمرض، هذا سيجعلك ملازمة لهذه الحالة، الذي أريده منك الآن - بارك الله فيك – أن تطردي عنك هذه الأفكار تماماً وأن تقولي: أنا طيبة، أنا صحيحة، أنا سليمة، أنا بخير وعافية، لقد أكرمني الله تبارك وتعالى بنعم لا تعد ولا تُحصى، فلماذا أنظر من الزاوية السوداء وأترك هذه المساحة البيضاء الجميلة؟
أقول لك: إن الشيطان استغل هذا الفراغ وحاول أن يملأه بطريقته الخاصة، وأنت الآن عندما تحاولين التخلص منه، فإنه يجتهد في أن يسحبك دائماً إلى الوراء؛ لأن الشيطان ما هي رسالته وما هي وظيفته؟ (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ))[البقرة:268]، ويقول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ))[فاطر:6].
الشيطان لا يريد لك الخير أبداً لا في دينك ولا في دنياك، يريدك أن تعيشي منهارة، أن تعيشي ممزقة، أن تعيشي غير مستقرة، أن تعيشي قلقة، أن تعيشي متوترة حتى لا تتمكني من طاعة ولا عبادة، صدقيني هو لا يريد أن تكوني مريضة نفسية وإنما يريد منك دينك أصلاً، يريد أن يؤثر عليك نفسياً حتى تقصري في حق الله تعالى، فتأتين يوم القيامة وأنت ليس عندك رصيد كبير تدخلين به الجنة، الشيطان - لعنه الله – لا يفعل شيئاً جزافاً، وإنما كل شيء عنده بتخطيط.

عندما عجز هذا اللعين أن ينال منك من الطرق الأخرى بدأ يركز على هذه الطريقة، وبدأ يستعمل هذا السلاح لتدميرك، ولتخفيض معنوياتك حتى تتوقفي عن عبادة الله وطاعته، لأني واثق أنك كونك دخلت إلى هذا الموقع وأنت تعلمين أن هذا موقع إسلامي معناه أن فيك خيراً وأنك على خير، وأن أحوالك إلى خير، فإذن أنت من أعداء الشيطان.

ودائماً ما دمت من أعدائه لن يتخلى عنك، سيحرص بكل ما أوتي من قوة أن ينال منك، ولذلك أنصحك - بارك الله فيك – أولاً أن تطردي عنك هذه الأفكار، هذه الأفكار أول ما تأتي إلى بالك حاولي أن تطرديها.

ثانياً: لا تستسلمي لها، وهذا معناه ألا تسترسلي فيها، فأول ما تأتي الفكرة ابدئي فاطرديها بسرعة، ولا تعطي لنفسك فرصة في أن تجلسي مكانك حتى تبدأ تسيطر هذه الفكرة على عقلك؛ لأن هذا ماضي والماضي قد انتهى، فلماذا أصطحب معي هذا الماضي المظلم أو هذا الماضي المحزن أو الكئيب، فهذا أمر قد ولَّى وانقضى؟

ثالثاً: أنصحك كما أنصح أخواتك دائماً بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن الله قال: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]، ومعنى تغيير الوضع أنك إذا كنت نائمة وجاءتك هذه الأفكار فاجلسي واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ودائماً أكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كنت جالسة فقومي واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كنت واقفة تحركي واخرجي من الغرفة التي أنت فيها واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، تكلمي مع أحد، انظري في جريدة، انظري في كتاب، اقرئي كتاباً، انظري حتى في برنامج هادف في التلفزيون، أو اسمعي شريطاً إسلامياً، أو قرآناً يُتلى، المهم ألا تعطي فرصة أبداً لهذه الأفكار أن تسيطر عليك، وكلما تأتيك الفكرة حاولي أن تغيري وضعك، ومع شيء من المقاومة سوف تزول بإذن الله عز وجل.

هناك سلاح مهم جدّاً وهو سلاح الدعاء، أن تسألي الله عز وجل أن يعافيك وأن يصرف عنك السوء؛ لأن الدعاء – ابنتي الكريمة – سلاح خطير، الشيطان نفسه يعجز أن يقف أمامه، بل إنه بفضل الله تعالى يرد كيد الشيطان إلى نحره، فدائماً اجتهدي في الدعاء وسلِي الله أن يعافيك وأن يصرف عنك السوء، وسلي الله أن يشفيك، واعلمي أن الله تعالى جل جلاله يحب الملحين في الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)، فإذا كانت توجد مشكلة حالياً بفضل الله تعالى الدعاء قادر على حلها، ولو في مشكلة ستأتي مستقبلاً أيضاً ببركة الدعاء سوف تحل ولن تحدث بإذن الله عز وجل.

فأوصيك ابنتي الكريمة – بالدعاء ومواصلة الدعاء والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومحاولة طرد هذه الأفكار عنك، وأن تعلمي أن ما قدره الله فهو كائن، والله تبارك وتعالى لا يقدر لك إلا الخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الخير كله في يديك والشر ليس إليك).

ولذلك أقول: عليك بالاستعاذة، وطرد هذه الأفكار، وتغيير الوضع الذي أنت عليه، الدعاء والاستغفار، والصلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأوقات الفراغ الذي عندك كم أتمنى أن تستثمريها في حفظ شيء من القرآن ولو كل يوم آية أو آيتين أو ثلاث آيات، أو قراءة حديث أو حديثين مثلاً من كتاب ككتاب (رياض الصالحين)، كلما وجدت عندك فراغاً؛ لأن هذا الفراغ لابد أن يملأ لأن الكأس الذي أمامك يبدو أنه فارغ، ولكن في الواقع إذا لم يكن مملوءاً بالماء فهو مملوء بالهواء، وأنت إذا لم تشغلي نفسك بالحق شغلتك هي بالباطل، فأتمنى أنه كلما كان لديك فراغ أن تستثمريه في أي شيء نافع خاصةً في حفظ كلام الله تعالى، أو قراءة شيء من كتب العلم الشرعي المتعلقة بحياة الفتاة، واحرصي - بارك الله فيك – على ألا تقرئي هذه الكتب التي تتعلق بالاغتصاب مرة أخرى، لأنها أيضاً من أسباب المشاكل النفسية التي عندك، وأنا أدعو الله أن يعافيك وأن يصرف عنك كل سوء.
وأبشرك أنك لست مريضة، ولكنك في خير إذا ما قاومت هذه الوساوس، وستكونين في أحسن حال، وإذا ما أخذت الدواء سوف تتحسنين نهائياً بإذن الله عز وجل.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، والشفاء العاجل، والاستقامة على دينه، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا عصام النبيل

    شكرا للكم والله استفدنا منكم وجزاكم الله خير من تسعدو الناس

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً