الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يختار فتاة من فتاتين للزواج

السؤال

بعد حمد الله والثناء عليه نصلي ونسلم على نبينا محمد
ونشكركم على مجهودكم الطيب في هذا الموقع ونسأل المولى لكم القبول.

أما بعد:
ستبدأ إجازتي السنوية بعد أيام قليلة وقد نويت أن أخطب وأعقد في نفس الوقت وكنت قد كلفت الولدة حفظها الله بالبحث عن الفتاة الصالحة ذات الدين والخلق.

منذ فترة وجدت الوالدة فتاة جامعية 23 سنة ملتزمة إلى حد ما ذات خلق من أسرة طيبة تحب الخير وأرسلوا صورتها لي حتى أراها وفي نفس الوقت قامت الوالدة بعرض صوري عليها.

الفتاة وأهلها ينتظرون قدومي لخطبة ابنتهم رغم أننا لم نعدهم بشيء، أما الفتاة الثانية فهي جامعية أيضاً وذات دين وتحفظ جزءاً ليس بالقليل من القرآن وتقوم على حفظه وتحفيظه في كتاب لديهم في الحي وهي أكثر جمالاً من الأولى، ولكن عمرها 28 عاماً علماً بأني لم أر صورة الثانية.

الآن أنا في حيرة من أمري هل أختار الأولى التي يتوقع أهلها حضوري لأنهم أعطوني صورتها أم الثانية لأنها أعلم بدينها وأجمل؟ ولا أخفي عليكم أن الأولى دخلت قلبي لا أدري هل من مدح أمي وإعجابها بالفتاة أم لأني رأيت صورتها؟ ووقع في نفسي شيء على الرغم أنها عادية وبصراحة لا أريد كثرة دخول بيوت الناس لرؤية بناتهم ثم المقارنة بينهم كأني سأشتري سيارة وذلك حتى لا أسبب ألماً وإحراجا وكسر مشاعر لتلك الفتاة التي لن يقع الاختيار عليها.

أفيدوني مأجورين بالسرعة الممكنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يسر أمرك وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنَّ عليك بأفضلهما ديناً وخلقاً، وأن يجعلها عوناً لك على طاعته ورضاه، وأن يرزقك منها ذرية صالحة طيبة مباركة، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإن قضية اختيار الزوجة من القضايا المهمة جدّاً في حياة المسلم، ولعل هذا القرار هو أخطر قرار يتخذه الإنسان في حياته؛ لأن شركة الزوجية ليست بشركة تجارية أو صناعية من الممكن أن أتخلى عنها في أي وقت، وإنما هي شركة طويلة المدى الاحتكاك فيها طويل وخطرها عظيم؛ لأن المرأة تكون وعاءً للرجل، فإذا كانت وعاءً نظيفاً نقياً حفظ ماءه ولم يختلط بماء غيره، والمرأة هي مربية أجياله وأبنائه، فإذا كانت صالحة ديِّنة فاهمة مدركة واعية مثقفة فإنها ستنفعه نفعاً عظيماً في تربية أبنائه، وكما قال الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

كما أنها هي التي تحفظ عليه دينه وعرضه وماله فإذا غاب عنها كان مطمئناً إلى عفتها وحيائها وفضيلتها، وإذا وضع ماله في بيته كان يعلم أنه ستحافظ عليه لأنها امرأة شريفة أمينة محافظة، لا تُدخل أحداً غريباً إلى بيت زوجها، ولا تسمح لأحد أن يدخل بيته إلا بإذنه، تراعي حرماته، وتكرم أهله، وتعطف على والديه، وتأخذ بيده إلى الجنة، وتكون عوناً له على طاعته، وترفع رأسه ورأس أبنائه في الدنيا كلها ويوم القيامة.

من هنا كان حرص النبي عليه الصلاة والسلام على ضرورة اختيار المرأة التي تحقق تلك الغايات كلها، والمرأة التي تستطيع أن تقوم بذلك هي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، أي المرأة الديِّنة هي التي تستطيع أن تحقق ذلك كله، والإسلام لم يمنع أن يكون مع الدين جمال، ولا أن يكون مع الدين حسب، ولا أن يكون مع الدين مال، فلو اجتمعت هذه الصفات كلها في امرأة فقد أعطي الإنسان أعظم عطية في هذه الحياة، وإذا توافر بعضها فهي نعمة من الله - تبارك وتعالى - .

لذلك أنت الآن تذكر بأنه قد اختارت لك الوالدة اثنتين من البنات الجامعيات، إحداهما في الثلاثة والعشرين من عمرها ملتزمة إلى حد ما، والثانية في الثامنة والعشرين من عمرها إلا أنها ذات دين وتحفظ جزءاً ليس بالقليل من القرآن وهي أكثر جمالاً من الأولى.

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

إن قضية اختيار الزوجة ليست من القضايا التي يجامل الإنسان بها أو يستحي منها، فأنت الآن تقول إنك في حيرة من أمرك لأن أهل الفتاة الأولى يتوقعون حضورك، وهب أنك حضرت ولم توافق على ابنتهم ما الذي يكون هناك من مشكلة؟ لا تكون هناك مشكلة أصلاً؛ لأن هذا ما أعطاك الله تبارك وتعالى من حق، فمن حقي أن أبحث عن الأنفع بالنسبة لي.

المرأة الثانية حسب المواصفات التي ذكرتها، فأولاً عمرها قريب من عمرك، فتفكيرها قريب من تفكيرك، ونضجها قريب من نضجك، ثانياً أنها أكثر جمالاً والجمال قطعاً مطلوب حتى لا تنظر إلى غيرها، ثالثاً أنها تحفظ جزءاً ليس باليسير من القرآن وتقوم على حفظه وتحفيظه، فهي امرأة قد انغمست في الدعوة إلى الله تعالى.

بكل المعايير الشرع والعقل يرجح الثانية، أما ما تقوله أنت من توقع أهل الأولى حضورك إليهم لأنهم أعطوك صورة ابنتهم، فهذا أتمنى ألا يكون مرجحاً، ولا تجامل لحساب مصلحتك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما أشرت لك يقول: (استعن بالله ولا تعجز)، فكل واحد يستعين ويبحث عن مصلحته (احرص على ما ينفعك)، فالذي ينفعك هي المرأة الثانية، ولذلك أقول:

لا تلق بالاً لهذه العواطف أو المشاعر أو مراعاة الناس لأن هذا شيء طبيعي، فمن الطبيعي أن تتزوج المرأة وتطلق، ومن الطبيعي جدّاً أن تذهب إلى بيتهم ولا تقبلها، ومن الطبيعي جدّاً أن تعتذر لهم حتى وإن رأيتها شخصياً ناهيك عن صورتها، ولكن حسب الظاهر أن الثانية هي الأنفع لك من جميع الوجوه، حسب ما ورد في رسالتك.

لذلك أتمنى - بارك الله فيك – ألا تخضع لهذه التأثيرات أو العواطف، ومسألة أنك لا تحب أن تدخل البيوت فهذا شيء رائع، ولكن هب أنك لم توفق – لا قدر الله – أليس من حقك أن تبحث عن زوجتك وأم أولادك وأن تصبر عليها؟! .. كم تحملت من السنين حتى تكون مهندساً؟ وكم تحملت من البعد والغربة والألم الليل والنهار حتى تستطيع أن توفر قدراً من المال لتتزوج؟!

إذن هذه ليست بأقل من الأولى أو الثانية، هذه قضية ليست قضية أقل من الدراسة وليست أقل من جمع المال، بل هي أخطر من ذلك كله؛ لأن هذه المرأة الديِّنة المحافظة قد تحفظ عليك مالك وتحفظ عليك وقتك وتعينك على غض بصرك وتحصين فرجك.

لذا أنصح - بارك الله فيك – أن تتخير الثانية ولا مانع أن تستخير الله تبارك وتعالى على هاتين الفتاتين لعل الأولى أن تكون أوفق لك رغم أنها متواضعة ورغم أن بينك وبينها من السن قرابة الست سنوات والثانية أوفق حسب الظاهر، فصل صلاة الاستخارة فإذا لم يتضح لك شيء تقدم للثانية، واعتذر للأولى، واسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يشرح صدرك لكل خير، وأن يجعل أنفعهما لك من حظك ومن نصيبك، وأن يشرح صدرك لها، وأن يعينك وإياها على تأسيس أسرة طيبة مباركة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً