الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالات الرهاب وتأثيرها على مستوى العلاقات الاجتماعية للإنسان

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من التوتر والقلق الشديدين، وينتابني تعرق في الأماكن الاجتماعية، وكذلك رجفة في الرجلين واليدين، وأشعر بصعوبة في الكلام وعدم التركيز والتشتت الذهني، وهذا يعكر علي صفو حياتي، فأصبحت قلما أخرج إلا بصعوبة ثم أعود إلى المنزل بسرعة، علماً بأني كنت إنساناً اجتماعياً، ولكن حدث ذلك منذ أربع سنوات وما زال الأمر في تزايد، فأرجو المشورة علي.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن حالتك بسيطة جدّاً، فأنت لديك قلق نفسي عام، ولديك أيضاً درجة بسيطة مما يعرف بالخوف أو الرهاب الاجتماعي، وهذه الحالات موجودة خاصة في مثل عمرك، وهي إن شاء الله تعالى يمكن أن تعالج بطرق بسيطة، والعلاج يتكون مما يعرف بالعلاج السلوكي والعلاج الدوائي.

وأول ما نحاول توضيحه هو أن تعلم أن هذه الحالة حالة بسيطة، وأن القلق النفسي هو طاقة مطلوبة لكي يستطيع الإنسان أن ينجز واجباته في الحياة بصورة جيدة، ولكن القلق إذا زاد فإنه ربما يسبب توتراً وتشتتاً ذهنياً ويكون مزعجاً للإنسان، فدرجة القلق عندك ازدادت قليلاً وهذا هو الذي جعلك تحس بهذه الأعراض، ومن الضروري أن تعلم أن القلق لا يعتبر مرضاً نفسياً حقيقيا، وإنما هي ظاهرة نفسية بسيطة وليست أكثر من ذلك.

ويأتي بعد ذلك العلاج الذي نسميه بتمارين الاسترخاء السلوكية، فالشخص القلق دائماً يعاني من توترات نفسية داخلية، وهذه التوترات النفسية الداخلية تنعكس على عضلات الجسم، ولذا يكون الاسترخاء مطلوباً لجلب الراحة النفسية والشعور بالسكون.

وتوجد كتيبات كثيرة وأشرطة فيديو وأقراص ليزرية توضح كيفية القيام بهذه التمارين، فلو حصلت على أحد هذه الأشرطة أو الكتيبات فسوف يكون أمراً طيبا، وعليك أن تطبق كل التعليمات الموجودة فيها، أو تذهب إلى أخصائي نفسي – وليس طبيباً نفسياً – وسوف يقوم بتدريبك على هذه التمارين، وإذا صعب كل ذلك عليك ولم تستطع الحصول على الكتيب أو الشريط أو الذهاب إلى أخصائي نفسي فيمكنك اتباع هذه الطريقة، وهي طريقة تسمى بـ(طريقة جاكبسون Roman jackobson):

استلق في مكان هادئ – في غرفة مثلاً – ويجب أن تهيئ نفسك وتكون في حالة ارتياح وتتذكر حدثاً سعيداً في حياتك، ثم تغمض عينيك وتفتح فمك قليلاً، ثم خذ نفساً عميقاً وبطيئاً حتى يمتلأ صدرك بالهواء وترتفع البطن قليلاً، ثم أمسك على الهواء في صدرك لفترة قصيرة، ثم أخرج الهواء عن طريق الفم ويجب أن يكون إخراجه ببطء وسكينة وبقوة، وكرر هذا التمرين خمس مرات متتالية، ويجب أن تقوم بهذا التمرين صباحاً ومساءً، أي بمعدل مرتين في اليوم.

وهناك تمرين آخر يعرف بتمارين الاسترخاء العضلي، وهو أن تقوم بشد العضلات، فقم على سبيل المثال بشد عضلات البطن ثم بعد ذلك قم باسترخائها، وكرر ذلك أيضاً مع بقية المجموعات العضلية الأخرى مثل عضلات القدمين وعضلات الساقين وعضلات الصدر وعضلات الظهر وعضلات الرقبة.. شد أولاً على العضلات ثم بعد ذلك قم بإطلاقها واسترخائها، هذا أيضاً من التمارين الجيدة.

وعليك أن تواجه مصادر الخوف الاجتماعي؛ لأن التجنب يؤدي إلى مزيد من الانعزال ومزيد من القلق، وربما يؤدي إلى اكتئاب، وأما ما تتصوره من رجفة في الرجلين واليدين وصعوبة في الكلام أو تلعثم في الكلام أمام الآخرين فهذا شعور وإحساس مبالغ فيه وليس حقيقيا، وفيه جزء يحدث ولكن هناك مبالغة كبيرة، فأرجو أن تقتحم كل مصادر خوفك – وهذا مهم جدّاً – وهناك طريقة نسميها (الاقتحام في الخيال)، بمعنى أن تجلس في مكان هادئ وتتصور أنك أمام تجمع كبير جدّاً من الناس وقد طُلب منك إلقاء محاضرة أو التحدث في أي موضوع أمام الآخرين، أو لديك ضيوف في البيت ومناسبة كبيرة لديك، ولابد أن تقوم باستقبالهم على أحسن وجه، أو أنه قد طُلب منك أن تصلي بالناس في المسجد بعد أن تغيب الإمام، وعش هذا الخيال بكل جدية وبكل مصداقية وبكل تمعن وبكل واقعية.. كرر هذا التمرين مرتين في اليوم، ويجب أن تستمر فترة التخيل لمدة عشر دقائق إلى ربع ساعة على الأقل.

وعليك أيضاً بممارسة الرياضة الجماعية، أي نوع من الرياضة خاصة كرة القدم في مثل عمرك سوف تكون مناسبة جدّاً، هي تقلل من القلق والتوتر وتحسن التركيز وتعطيك أيضاً الدافع للمواجهة الاجتماعية، وحضور حلقات التلاوة أيضاً وجد أنه مفيد لأقصى درجة.

وأرجو أيضاً أن تضع هدفاً لحياتك، فأنت قد تركت الدراسة، ولا أعرف إن كنت تعمل أم لا، ولكن لابد أن تضع أهدافاً لحياتك، أهدافاً واضحة وتسعى للوصول لهذه الأهداف، فلابد أن تجعل لحياتك معنى، فالإنسان إذا جعل لحياته معنى وكان له حضور اجتماعي واضح يقل عنده التوتر والقلق.

ويأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وتوجد بفضل الله تعالى أدوية ممتازة وفعالة جدّاً، وفي حالتك العقار الجيد والذي سوف يكون مفيدا هو دواء يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويسمى علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام) ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة ليلاً، ويجب أن تتناولها يومياً بانتظام لمدة ستة أشهر، وهذه أقل مدة مقبولة، وبعد ذلك خفض الجرعة إلى نصف حبة (عشرة مليجرام) يومياً لمدة شهر، ثم استمر على نصف حبة كل يومين لمدة شهر آخر، ثم توقف عن هذا الدواء.

إذن هذه الإرشادات السلوكية التي ذكرناها لك مع الدواء إن شاء الله سوف تجعلك في غاية الراحة وسوف ينتهي القلق والتوتر وسوف تكون لديك مقدرات اجتماعية قوية جدّاً ولن تجد أي صعوبة في المواجهة، نسأل الله لك التوفيق والسداد والنجاح، وجزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً