الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس الحادثة بعد الولادة والمتمثلة عند لقاء الناس أو زيارتهم

السؤال

أنا امرأة في 23 من العمر، أصبت بوسواس قهري عقب ولادتي بطفلي الثاني يصحبه اكتئاب، أخذت له الفافرين واستقر الوضع ولم يذهب الوسواس تماماً، ولكن أصبحت قادرة على أن أتحكم بنفسي.

والمشكلة أن وسواسي كالوساوس التي قرأت عنها، فوسواسي يأتيني عندما ألتقي بالناس، وليس عندما أكون بمفردي! تعقدت من أن يزورني أحد وأن أزور الناس، وعند التقائي بهم بتلك الحالات تنتابني نظرات غريبة جداً، لا أستطيع التحكم بها، وأصبح مشتتة التفكير، وينشغل بالي -مثلاً-: خائفة بأن يعتقدوا أني لا أريدهم أن يزوروني، أو أخاف أن يعتقدوا أني أراقبهم عندما يأكلون، كلمة (أخاف أن يعتقدوا) هي سبب مرضي وتدمير حياتي.

فأصبحت أرى الناس تنظر لي بنظرة سيئة، وكل يفسر نظراتي وحالتي الغريبة كما يحلو له! وأنا أقسم أني قبل الوسواس كنت طبيعية تماماً، ومهما شرحت للأقربين حالتي أشعر بأنهم لا يصدقونني.

أصبحت حياتي جحيماً، ووسواسي مع أقرب الناس لي! كيف أتخلص منه؟ إني أحب الناس جداً، وهذه الأفكار دخيلة علي ليست مني، وأنا لا أحب التفكير بها، وليس لدي أفعال قسرية، والمشكلة أني اكتشفت أني حامل وأوقفت الدواء فوراً، ولكني عدت للاكتئاب والوسواس.

اتصلت بطبيبتي، وصفت لي الأنفرانيل وقالت إنه أمان للحمل، فسؤالي لكم:

1-كيف أتخلص من هذه الوساوس وأعود لحياتي، أستقبل وأزور وأنا خالية الذهن ليس لدي تلك الأفكار؟

2-كيف أتجاهل نظرة الناس وتعليقاتهم عني الغير صحيحة، فهم يجهلون مرضي؟

3-كيف أحل حياتي الزوجية الغير مستقرة بسبب هذا الوسواس؟ علماً أني أحب زوجي ولكن أصبحت مشاكلنا كثيرة ولدي طفل وطفلة، وحامل بالشهر الرابع.

4-هل آخذ الانفرانيل، وبأي جرعة وصفت لي الطبيبة حبتين يومياً 25ملغ؟ أنا خائفة من آخذه خوفاً على جنيني، أرجوكم أفيدوني فقد تعطلت حياتي وفقدت محبة وصداقة من حولي، وأشعر أن الموت أحسن لي.

أرجوكم أفيدوني، ولكم أجر عند الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم جود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.

إن الوسواس الذي تعانين منه ليس بالوسواس الغريب؛ لأن الوساوس كثيراً ما تكون لها روابط ولها مثيرات، فأنت يثير الوساوس لك حضور الناس الآخرين، وأصبح لديك هذا الرابط النفسي، وأعتقد أنه في حد ذاته قد سبب لك قلقاً وتوتراً وأدى ما نسميه بالقلق التوقعي، بمعنى أن هاجس الوساوس سوف يأتيك في حضور الناس جعل لديك هذا الشعور باليقظة النفسية العالية، وهذه أيضاً تزيد من القلق.

والوساوس التي تعقب الولادة كثيراً ما تكون أيضاً مصحوبة بدرجة بسيطة أو متوسطة من الاكتئاب النفسي، وهذا هو الذي حدث لك.

بصفة عامة الوساوس ما هي إلا نوع من القلق النفسي أيّاً كان نوعها، والمبادئ العامة لعلاج الوساوس تتمركز حول أن يفهم الإنسان طبيعتها، بمعنى أنها فكرة أو فعل أو مخاوف أو خيالات ذهنية تكون متسلطة على الإنسان، ويؤمن الإنسان بسخفها وحقيقتها ويحاول أن يُبعدها ولكنها تفرض نفسها عليه، وهي ليست دليلاً أبداً على وجود اضطراب عقلي، إنما هي تعتبر اضطرابا عصابيا وليس أكثر من ذلك.

مبدأ العلاج الأساسي - بعد أن تتفهمي طبيعة الوساوس – هو تطبيق المبدأ السلوكي الذي يقول: الوساوس تعالج عن طريق عدم الاستجابة التامة لها، وذلك يتأتى من تحقيرها وتجاهلها وإدخال فكرة مضادة لها.

وحتى أجيب على أسئلتك بصورة مفصلة: فسؤالك الأول يقول: كيف أتخلص من هذه الوساوس وأعود إلى حياتي الطبيعية؟ تتخلصي من هذه الوساوس: أولاً افهمي أنها ليست اضطرابا عقلياً إنما هي مجرد قلق نفسي.

ثانياً: تجاهلها وتحقيرها وإدخال فكرة مضادة لها، هذا يتطلب منك جهدا ويتطلب منك التركيز، فحين تأتيك الفكرة حقري الفكرة وقولي: سوف أتجاهل هذه الفكرة، هذه فكرة سخيفة لن أتبعها، هذه الفكرة لا تناسبني أبداً، وبعد ذلك أدخلي الفكرة المضادة، قولي لنفسك: (أنا أتغير وأتبدل أمام الناس هذا ليس صحيحاً، فلماذا أنا أصر أنني في وجود الآخرين أتغير في شكلي وفي طريقتي في التعامل معهم، إن كان حدث هذا في الماضي فلن يحدث الآن، ولن يحدث في المستقبل إن شاء الله).

هذا نسميه بالحوار الداخلي الإقناعي، أن تحاول أن تقنع نفسك بنفسك، وهذا يتطلب أيضاً التركيز ويتطلب الإصرار على اتباع هذا المنهج، والأطباء يقولون إن الجلسة النفسية من هذا النوع يجب ألا تقل عن نصف ساعة يومياً.

يمكنك أيضاً أن تربطي هذه الوساوس بتفاعلات مضادة لها: الألم الجسدي أو الألم النفسي من الأشياء البغيضة والمكروهة للنفس البشرية، ولذا إذا ربطت الوساوس بنوع من الألم الجسدي، وجد أن ذلك يضعف الوساوس بشكل كبير. وهنالك تمارين بسيطة في شكلها سخيفة ولكنها علمياً ذات مردود فعال جدّاً:

فكري في الفكرة الوسواسية وفي نفس اللحظة قومي بالضرب على يدك بقوة وبشدة شديدة حتى تحسي بالألم. الفكرة هي أن تربطي بين الوسواس وبين الألم، ويكرر هذا التمرين عشر مرات متتالية، ويجب أن يكرر صباحاً ومساءً بصفة يومية لا تقل عن أسبوعين على الأقل، فقد وجد هذا أيضاً أنه تمرين مفيد جدّاً إذا طُبق بالصورة الصحيحة والملتزمة.

أما بالنسبة للسؤال الثاني فقد أجبنا عليه، وهو أن تتجاهلي نظرة الناس وتعليقاتهم غير الصحيحة، وأؤكد لك أن هنالك ربما يكون مبالغة في مشاعرك، فأنت تظنين أن الناس يعلقون عليك، فأعتقد أن هنالك مبالغة، فأرجو أن تعيدي تقييم هذه الأفكار، وفي نفس الوقت حقري الأفكار، وقولي لنفسك: (أنا أبالغ، أنا يجب ألا أكون حساسة لهذه الدرجة، فالناس ربما تكون تعليقاتهم في أمور مختلفة ولا تخصني، فلماذا أنا أركز على هذا الأمر، هذا مجرد وسواس). أيضاً هذا الحوار الداخلي الذاتي الإقناعي يعتبر مفيدا جدّاً.

أما سؤالك الثالث وهو كيف تجعلين حياتك الزوجية الغير مستقرة بهذا المرض سعيدة؟

فأقول: أنت الحمد لله زوجة وأم، وهذه إيجابيات عظيمة، والزوجة الذكية هي التي دائماً تسعى لإسعاد نفسها وزوجها وأولادها.

أنا متأكد أن زوجك يتفهم حالتك، ولكن أنت يجب ألا تظهري هذه الأعراض أمام زوجك، فهذا ضروري جدّاً.

هذه الأعراض يمكن التحكم فيها ويمكن التخلص منها، فكوني لك الضوابط الشخصية الذاتية، وحين تأتيك الفكرة الوسواسية في حضور زوجك تذكري وقولي إن هذه وساوس – هذا الشيطان – سوف يدمر حياتي، لن أعطيه أي طريقة لأنني أريد أن أعيش حياة زوجية سعيدة، وأريد أن أظهر أمام زوجي بالمظهر الطيب والجيد ولا أزعجه أبداً بوساوسي، وفي نفس الوقت قومي بكل واجباتك المنزلية والزوجية، وأديري وقتك بصورة جيدة وممتازة، ودائماً حين تحسين بالتحسن حتى ولو كان بسيطاً قولي لزوجك: (أنا الآن في حالة طيبة، أنا تحسنت حالتي، ألا ترى ذلك؟). هذا فيه نوع من التحفيز الداخلي لك، وكذلك يحفز زوجك ويجعله أكثر اطمئاناً.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فإن الأنفرانيل هو دواء طيب، ولكن الجرعة المطلوبة لعلاج الوساوس يجب أن تكون في حدود خمسة وسبعين إلى مائة مليجرام في اليوم، وكما ذكرت لك الطبيبة فهو عقار سليم، ولكن البحوث تشير أيضاً وبفضل الله تعالى أن البروزاك Prozac/فلوكستين Fluoxetine هو دواء أيضاً سليم جدّاً، ويعرف أن الفلوكستين أقل من ناحية الآثار الجانبية، فإن شئت أن تبدئي في تناول الفافرين بجرعة خمسين مليجراماً ليلاً فلا بأس في ذلك أبداً، ويمكنك أن ترفعيها أيضاً لخمسة وسبعين مليجراماً بعد أسبوعين من بداية الجرعة وتستمري عليها.

أما إذا كان خيارك هو البروزاك فابدئيه بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراماً) في اليوم، وبعد أن تكملي الشهر الرابع – أي بعد أن تكتمل فترة تخليق الأجنة – ارفعي البروزاك إل كبسولتين (أربعين مليجراماً) في اليوم، وهذه جرعة جيدة جدّاً لعلاج الوساوس القهرية.

أنا أريدك أن تبدئي أحد الدوائين، لأني أعرف أن هذه الأدوية إن شاء الله سوف تفيدك كثيراً.

هنالك دراسات أيضاً تشير أنه وبفضل الله تعالى في فترة الحمل غالباً ما تقل الوساوس القهرية، فأنا أقول: إنه من حقك أن تستعملي الدواء وأن الدواء سوف يفيدك، وإن شاء الله لن يؤثر على الحمل، وكنوع من التحوط أرجو أن تتابعي مع الطبيبة النسائية، وقومي بإجراء فحوصات الحمل العادية كصور الموجات الصوتية، فهي توضح مراحل تخليق الجنين وكذلك حجمه وحركته وكل ما هو مطلوب من متابعة للطفل والحمل، فأرجو أن تقومي بذلك.

ونصيحتي لك: هي أن تستمري على العلاج طوال فترة الحمل وحتى بعد الولادة إن شاء الله. أنا لا أريد أن أجعلك تقلقي على فترة ما بعد الولادة، ولكن هذه الفترة حقيقة أنت في حاجة لتناول الدواء. يمكنك أن تتناولي البروزاك بجرعة كبسولة واحدة، وهنا يمكنك إرضاع الطفل لأن هذه الجرعة ليست كبيرة، ولكن إذا – لا قدر الله – أتتك الحالة بصورة واضحة ولم تستفيدي من كبسولة واحدة من البروزاك، هنا ارفعي البروزاك إلى كبسولتين في اليوم، أو حتى إلى ثلاث في اليوم، ولكن يفضل ألا ترضعي الطفل من الثدي، وهذا عذر طبي واضح ومقبول جدّاً.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق، ونشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً