الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شاب يريد الزواج ولا يملك ما ستطلبه والدة الفتاة من التكاليف

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب صومالي أعيش في أمريكا .. لا يوجد عندي نفقات للزواج، ولكن عندي عمل أقدر أن أحصل منه عيشي اليومي، ولا شك أن والدتها ستطلب مني تكاليف لا أقدر على دفعها، وأيضاً أستحي من جميع عائلتي أن أطلب منهم أن يجمعوا لي ما استطاعوا لزواجي هذا، رغم أنها محجبة ومهذبة ومتعلمة ومتدينة ومتطوعة و.. و... فما هي نصيحتكم تجاهي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد القادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك وإخوانك المسلمين على الحق، وأن يجعلكم قدوة صالحة وأسوة حسنة لمن تتعاملون معهم من غير المسلمين، وأن يجعل هداية الناس على أيديكم.
كما نسأله تبارك وتعالى أن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يكرمك بهذه الأخت زوجة لك، وأن يعطّف قلب والدتها عليك ولا تطلب منك شيئاً، وأن يجمع بينكما على خير عاجلاً غير آجل، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فأنا أقول لك: إنه ومما لا شك فيه أن الزواج من سنن الفطرة، ولكنه قد يكون من الضرورات التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها إذا عاش في بلاد فيها فتن وفيها إغراءات، وأصبح يخشى على نفسه من الوقوع في المعاصي، خاصة إذا كان في مراحل الشباب، ومن هنا فإني أقول لك -وفقك الله- بأن الزواج أعتبره في أمريكا ضرورة وفي غيرها من بلاد الغرب، تلك البلاد التي يوجد فيها ظروف تختلف عن بيئتنا العربية والإسلامية لحد ما، وأنت الآن تخشى أن أم هذه الفتاة إذا تقدمت لها أن ترفضك لأنك لا تملك شيئاً، فأنا أقول لك بارك الله فيك:

أتمنى قبل أن تتقدم إليها أن تقوم بعدة أشياء، وهي ليست مكلفة وإنما هي عظيمة ومفيدة ورائعة، تنفعك -بإذن الله تعالى- في الدنيا والآخرة.

هذه الأشياء بارك الله فيك منها الدعاء، أن تدعو الله تبارك وتعالى أن يعطّف قلب أم هذه الفتاة عليك، وأن يجعل كلامها عليك برداً وسلاماً، وأن يوفقها لحسن استقبالك، وأن تقبل منك ما يمكن دفعه وألا تشق عليك. وهذا أمر وارد؛ لأنك تعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، فالله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، وهو الذي أمرك بالدعاء ووعدك بالإجابة، حيث قال: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))[غافر:60]، وقال أيضاً: ((أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ))[البقرة:186]، فإذن بارك الله فيك، أتمنى أن تجتهد في الدعاء والإلحاح على الله بشدة، ولو استطعت أن تدعو في اليوم مئات المرات بهذه المسألة أن الله تبارك وتعالى يُلين قلب هذه الأم ولا يجعلها تتعنت معك، وإنما تطلب منك المقدور عليه، فأعتقد أنك إن شاء الله تعالى سوف تحقق نصراً هائلاً بإذن الله تعالى.

ثانياً: أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام من أعظم الأمور التي تفرج بها الكربات وتقضى بها الحاجات، وهذا مجرب في حياة الناس قديماً وحديثاً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابي الذي قال له: أجعل لك صلاتي كلها يا رسول الله؟ قال له: (إذن تُكفى همَّك ويُغفر لك ذنبك)، وهذا الأمر الآن يهمك همّاً شديداً، فبإذن الله سيكفيك الله هذا الأمر ببركة الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن أقصد أن تصلي من قلبك، وأن تلتزم بالصلاة الإبراهيمية حتى وإن كانت طويلة لأنها أصح الروايات عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تكرر ذلك إن استطعت مئات المرات يومياً فافعل، وأنا واثق بأنها فترة بسيطة جدّاً من الزمن وسوف ترى بنفسك الخير - بإذن الله تعالى - .

ثالثاً: بعد أن تجتهد في هذا الموضوع لمدة شهر أو أقل أو أكثر تتوكل على الله وتذهب إلى والدتها، إن كان هناك أحد المعروفين لديها من المحترمين من أبناء الجالية من إخوانك الصوماليين أخذته معك، فهذا حسن، وإن ذهبت إليها وحدك فلا حرج، فالأمر في سعة، ولكن كلما ذهبت إليها مع أحد لعل هذا يرفع من شأنك خاصة إذا كان شخصية معروفة، وتعرض عليها رغبتك في أن تتزوج ابنتها، وبعد ذلك ستدخل قطعاً في التفاصيل، فإذا ما وجدت الأمور سهلة فالحمد لله، وإذا كان المبلغ المطلوب بسيط، فتستطيع أن تستعين بإخوانك وأهلك على تجهيزك، إذا لم يكن على سبيل الهدية فلا مانع أن يكون على سبيل القرض، تقترض مبلغاً تستطيع بفضل الله تعالى أن تسدده على أن تبين لهم أنك لا تملك شيئاً، وأن هذا القرض سوف تسدده براحتك، بمعنى أنه لا يلزم أن تسدده في فترة معينة، وإنما يُعطونك فرصة حتى تتمكن من جمعه، ولو على أقساط شهرية بمعدل أي مبلغ من الدولارات تقدمه لهم شهرياً، حتى تتيسر لك الأمور، وهذه الأخت (زوجتك) إذا كانت امرأة عاملة فهي - إن شاء الله تعالى – ستعينك على أداء دينك، وإذا لم تكن فإن الله تبارك وتعالى لن يتخلى عنك بإذنه تعالى، وأرى أن هذا إن شاء الله تعالى مناسباً ما دمت تستحي أن تسأل أهلك مساعدة بمعنى المساعدة ليست قرضاً، فاطلب منهم قرضاً، وأنا أعتقد أنك لو شرحت ظروفك لهم فإنهم سيقفون معك، وسيؤيدك الله تبارك وتعالى وينصرك ويسددك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة حق على الله عونهم) ومن هؤلاء الثلاثة: (والشاب يريد العفاف).
فأنت تريد العفاف فسيعينك الله تعالى، بل وقد تأتيك الأموال بدون طلب من أحد، ولو جاءتك في هذه الحالة فيجوز لك شرعاً أن تأخذها بدون حياء أو استحياء، لأنك لم تسأل أحداً أن يعطيك شيئاً، ولأنك ممن يستحقها، أما إذا اضطررت لأن تأخذ شيئاً من الناس فلا مانع إذا كنت تستحي أن تقول لهم هذا قرض، ولكن تقول لهم بأن يصبروا عليك حتى يأتيك من فضل الله في الوقت المناسب.
وبذلك إن شاء الله تعالى سوف يجمع الله بينك وبين هذه الأخت الفاضلة، وتأكد من أنك إن تزوجتها فسوف يتسع رزقك؛ لأن رزقها سوف ينضم إلى رزقك، فهي لها رزقها الخاص بها، وأنت لك رزقك الخاص بك، فإذا ما اجتمعتما جمع الله رزقها إلى رزقك، ولعل رزقها أن يكون موسّعاً من إنسان فقير إلى إنسان مُيسر بإذن الله تعالى وهذا كثير مشاهد في حياة الناس.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يعطف قلب هذه الأم عليك، وأن يجعل هذه الأخت من نصيبك، وأن يجعلنا وإياك من سعداء الدنيا والآخرة، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً