الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تجبرني على طاعتها وعصيان زوجي!!

السؤال

السلام عليكم.
والدتي تجبرني على طاعتها وعصيان زوجي في أن أقضي لهم أعمالهم ومصالحهم؛ حيث إنهم مغتربون، وكنت أطيعها على مدى عشر سنوات، وكانت تحصل مشاكل كثيرة بيني وبين زوجي وكاد يطلقني.

وبعد مشاكل كثيرة صرت أطيع زوجي، ورغم علمي أن طاعته واجبة عليّ إلا أن أمي بدأت بمحاربتي وكأنني أشد أعدائها بعد كل تلك السنوات من الطاعة لها، وهي تتكلم عني وعن زوجي أمام الناس بكلام كذب، وتمنع إخوتي من زيارتي، وأبي يسب زوجي وأهله.

وأخيراً بعثت لي رسالة أنها لن ترضى حتى أطيعها رغماً عن زوجي - وهي لا تكترث للمشاكل التي أعاني منها بسببها مع زوجي، ولا تكترث إن طلقت، رغم وجود أربعة أطفال -، ولا تريد أن تراني إلى أن تموت، وقد طردتني من منزلها ذات مرة، ويقوم أبي بمجاراتها في هذا كله ويسبني وزوجي، فماذا أفعل؟ وهل أنقطع عنهم فترة من الزمن حتى يتراجعوا عن موقفهم؟!

علماً بأن الكثير من الأقرباء تدخلوا في حل المشكلة ونصحوها أن تدعني وشأني حتى لا تهدم بيتي وتشرد أولادي ولكنها ترفض تماماً، وهي تقول إن ذلك من البر، وأن عليّ طاعتها، وهي لم تربني وتدرسني لكي لا تنتفع بي، فماذا أفعل؟!
وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله أن يفرج كربتك، وأن يصلح حالك، وأن يُذهب عنك هذا الهم وهذا الغم، وأن يُصلح ما بينك وبين والديك وأن يبارك لك في زوجك، وأن يجعل حياتك معه حياة طيبة آمنة مستقرة، وأن يرزقك رضى أمك وبرها وأن يشرح صدرها للحق وأن يجعلها عوناً لك على طاعته.

وبخصوص ما ورد برسالتك فالذي يبدو أن أمك تفهم مسألة الأمومة بطريقة خاطئة، حيث تظن أنها ما دامت قد أنفقت عليك وعلمتك وربتك أنك مملوكة لها وحدها، ونسيت أنها هي نفسها لو أن أمها أو أي أحد من أقاربها طلب منها شيئاً يتعارض مع حياتها الزوجية فلن تقبل، ولكننا مع الأسف الشديد نكيل بمكيالين، وهذا ما قاله الله تبارك وتعالى بقوله: (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ))[المطففين:1]، التطفيف أن الإنسان يميل إلى الجهة التي يحب أو الجهة التي يريد ولا يراعي الشرع غالباً.

وأنت الآن زوجة ولك زوج وأولاد، وهؤلاء هم مسئوليتك الكبرى شرعاً وواقعاً، فأنت مسئولة عن زوجك مسئولية كاملة وعن أولادك، وهذا الذي سيسألك الله عنه، وأنت مطالبة ببر أمك والإحسان إليها، ولكن بما لا يتعارض مع حياتك الزوجية، فالله تبارك وتعالى يقول: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، وكما أن أمك تهتم بحياتها الزوجية وبوالدك وبحياتها الخاصة وأولادها، وكل أموالها وكل خيرها لها ولأولادها ولزوجها، فكذلك أنت مطالبة أن تهتمي بزوجك وأولادك؛ لأن هذه مسئوليتك الشرعية الأولى، والإنسان منا ما دام في بيت أبيه وأمه فليس هناك أحد يطيعه أكثر من أبيه وأمه، وأما عندما تتزوج المرأة تصبح عند زوجها أمانة، وزوجها يُصبح أمانة؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فأنت مسئولة عن زوجك ومسئولة عن أولادك ومسئولة عن بيتك، مسئولة في المقام الأول بالدرجة أولى.

وأما الأم فإن دورك معها أن تبريها على قدر استطاعتك، ولا تظلميها ولا تكرهيها ولا تتأخري في خدمتها إذا كنت تستطيعين ذلك؛ ولذلك لا تقاطعي أمك مقاطعة نهائية، وإنما إن طلبت منك بعض الأمور التي لا تتعارض مع حياتك الزوجية وإن كانت بشيء من الضغط أو شيء من التعب فافعليه، حتى تكوني في الوسط، ولكن رسالتك الأولى ومهمتك الأولى زوجك وأولادك.

وأما كون أمك هي غير راضية عنك فهذا لا يؤثر في الشرع، لأنها تتجاوز وتكلفك ما لا طاقة لك به، وكونك كدت أن تطلقي ومعك أربعة من الأطفال فهي لن تقبل أبداً بحال من الأحوال أن تطلقي أساساً، حتى وإن كانت تقول ذلك عناداً ولكن لا يمكن لأحد أبداً أن يقبل ذلك مطلقاً، لأنهم يعلمون أن هذا الكلام ليس بالأمر السهل ولا بالأمر الهين.

ومن هنا فالمطلوب أن تركزي كل تركيزك على زوجك وأولادك، والأعمال التي تُطلب منك، اتصلي عليها وقولي: (ماذا تريدين مني أي شيء أفعله)، الشيء الذي تستطيعين أن تفعليه افعليه ابتغاء مرضاة الله تعالى وبرّاً وإحساناً إليها، وأما الشيء الذي يتعارض مع بيتك ومع أولادك فاعتذري لها، وقولي لها: (إن شَاء الله يا أمي لن أقصر في خدمتك أبداً، ولكن كما قال الله تعالى: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، وسأجتهد في قضاء حوائجك وفي قضاء أعمالك ومصالحك على قدر استطاعتي بما لا يتعارض مع مسئوليتي عن زوجي وأولادي، وهذا الذي أستطيعه)، ولا تشغلي بالك بعد ذلك بدعائها ولا بكلامها ولا بغير ذلك.

وأما كونها طردتك من المنزل مثلاً لأنها كانت مغضبة منك فهذا أيضاً ليس معناه أنه قطيعة، وإنما اتركي الأمر لله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يتولاك سبحانه وتعالى برحمته، فلا تشغلي بالك بهذا الأمر، وركزي على حياتك وزوجك وأولادك، واجتهدي في ذلك، وإذا طلبت منك شيئاً من الممكن أن تقومي به فلا تقصري ولا تتأخري ما دام في مقدورك فعله، وبيِّني هذا الكلام لزوجك، وقولي له: (أنت تعلم أن والدتي وضعها كذا)، وأعتقد أنه يعرف (تعرف أن والدتي وضعها كذا وأن أبي يمشي وراءها، وأنهم يحاربونني؛ لأن المشكلة أنهم لا يفهمون طبيعة التزامات الزوجة تجاه أسرتها وتجاه زوجها، فأرجو أن تساعدني قدر الاستطاعة حتى لا أكون قاطعة للرحم، وإذا أتيحت لي الفرصة أن أقدم أي خدمة لأمي سوف أقدمها، وأنت تعينني على ذلك حتى لا يخرج من أبنائنا من يقوم بعقوقنا) - وإن كنت أرى أنك لست عاقة - ولكن قولي له هذا الكلام من باب المساعدة والحث على أن يعينك على بر أمك على قدر استطاعتك.

وعليك بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين أمك وأن يُبصرها بالحق، وأيضاً لا مانع أن توسطي أيضاً أحداً آخر من الأقرباء أو من أهل العلم؛ لأن الأقرباء قد يكونون يتكلمون كلاماً عاطفياً وبدون ضوابط شرعية، وأما أهل العلم فإنهم يبينون الواجب عليك تجاه زوجك وتجاه أولادك ثم تجاههم أيضاً، نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يصلح ما بينك وبين أمك وأبيك، وأن يبارك لك في زوجك وأولادك، وأن يثبتنا وإياك على الحق، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً