الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الموظف الأمين من اختلاسات مديره لأموال الشركة

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
أما بعد:
أنا أعمل مراجعاً حسابياً في إحدى الشركات، وعملي هذا يجعلني أراجع جميع أعمال الشركة (الأعمال المالية)، والجميع يعرف عني الدقة المتناهية في العمل وتقوى الله، ولهذا نصبوني على العمل، وعندما خرج رئيس مجلس الإدارة على المعاش تولى رئيس مجلس إدارة جديد، وهنا بدأت معاناتي سيدي، فهذا الرجل والله أعلم لا يتقي الله، ولا يعدل بين الموظفين، بل يتخذ منصبه لإذلال من هو أقل منه، وبالتحديد من لهم رأي في عملهم، ففي أول يوم استلم فيه الرئاسة قام باتخاذ قرار بنقلي، لماذا سيدي؟ لأنني اكتشفت أخطاء متعمدة من مدير يعمل بالشركة تجاوزت 150000 ألف جنيه، وعندما علم أنني اكتشفت هذا عرض علي رشوة ورفضتها وقلت له: إني أخاف الله، وعندي شهود على هذه الواقعة سخرهم الله لي، ولولا ذلك لوقعت في مشكلة كبيرة، وعندما عرضت ذلك الأمر على مدير بالشركة عرض هو الأمر على الرئيس، وعندها بدأت المأساة، فالرئيس لم يطلبني لسماع ما حدث لكنه قام بتحويلي للتحقيق، وعندما طلبت جهة معينة للتحقيق معي؛ لأنه اتهمني أنا بذلك ورفضت أن يحقق معي أحد من الشركة ألغي التحقيق وعمل قعدة مصغرة من الشركة ليس لها أي صفة تحقيقية، اكتشفوا الحقيقة بالمستندات التي معي، واعتذروا لي وقالوا للرئيس: إنني بريء، ومع ذلك اتخذ قراراً بنقلي إلى وظيفة أقل بكثير جداً من وظيفتي، وتم إرجاعي لوظيفتي عندما علم بأنني سوف أقوم بالشكوى للرقابة الإدارية، ومواقف كثيرة من هذا النوع بدون نقل طبعاً، بل دائم اتهامي أنا بصفات ليست بي مع أنه يعرفني جيداً، حيث إنه كان مديراً عاماً للإدارة التي أعمل بها، وأي مصلحة لي يوقفها سواء كانت علاوة أو أي ميزة اخرى.

وعندما أشتكي له بأنني أعمل بجد واجتهاد يهاجمني هجوماً لا يتحمله أي إنسان، يتهمني بالكذب وأشياء اخرى، مع أنني أعمل بوظيفتين بجانب وظيفتي سابقة الذكر هو الذي كلفني بهما لإجهادي أو ثقته بي، الله أعلم!

سيدي! أنا شاب أخاف الله، ينصحني زملائي بأن أسكت ليفعلوا كيفما يشاءون ويقولون لي: يا عم! وأنت ما لك؟! ليسرق من يسرق وأنت ما لك؟! ماذا أفعل؟ لو فعلت ذلك أغضبت الله تعالى، ولو استمررت في دقتي في العمل وكشف أي تلاعب الله أعلم ماذا يفعل بي، ربما يفصلني أو يتسبب لي في ضرر كبير لا أتحمله أنا وأسرتي، حيث إنني متزوج ورزقت ببنت وأعول أبي وأمي وستة من الإخوة والأخوات؟ ماذا أفعل بالله عليكم والله المستعان؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الأستاذ / محمد محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بدايةً: إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك بين إخوانك، وكم يسعدنا اتصالك بنا وتواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى جبار السماوات والأرض أن يرد عنك كيد الكائدين، وأن يشملك بعنايته ورعايته وتوفيقه، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك في المسلمين، وأن يبارك لك في نفسك وأهلك ومالك، وأن يسعدك دنيا وأخرى.

أخي محمد! كم نحن سعداء فعلاً بشخصيتك المباركة التي ما أرسلت لنا إلا لخير كثير فيها، وأكرر دعائي لك: نسأله تعالى أن يبارك فيك وأن يكثر من أمثالك، فما أحوج الأمة فعلاً إلى رجال صالحين أتقياء مثلك يحقون الحق ويبطلون الباطل، ويقفون في وجه اللصوص الذين يسرقون أموال الأمة!
واعلم أخي أن موقفك هذا يعيد إلينا أمجاد وذكريات الصالحين الكبار من أتباع حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحفادهم الذين رفع الله ذكرهم وأعلى شأنهم، وجعلهم بحق خير أمة أخرجت للناس، وكم يؤلمني أن تفكر مجرد تفكير في ترك اللصوص يعبثون في الأرض فساداً، ويستولون على أموال المسلمين بغير حق، واعلم أخي أنك لو سكت كما نصحك هؤلاء المساكين لأصبحت مثلهم عند الله، وشريكاً لهم في الجرم والمعصية والاعتداء على أموال المسلمين، ولحشرت يوم القيامة مع كبار الظلمة الذين أكلوا أموال الناس بالباطل، واعتدوا على المال العام الذي هو مال الله أصلاً، ويكفيك أن تعلم أن الله لعن في الخمر عشرة رغم أن الذي يشربها واحد فقط، ولعن في الربا خمسة رغم أن الذي يتعاطاه اثنان فقط، لماذا؟ لأن هؤلاء ساعدوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولقد ورد في السنة أيضاً: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)، والرائش هو الذي سعى لعقد الصفقة وتسهيلها وإن لم يأخذ منها شيئاً، فلا تبع دينك بدنياك؛ لأن الدنيا كلها ساعات معدودات قال عنها مولاك: (( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيل)[النساء:77]، وقال: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى:4-5].

ولو فعل كل إنسان كما تريد أن تفعل لضاعت الأمة وهوت إلى الحضيض أكثر مما هي عليه، وهل ضاعت مقدرات البلاد وغلبتها الديون، وعمها الفقر والذل إلا بسبب هؤلاء اللصوص المجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟!
إياك أخي محمد أن تكون من الظلمة الذين قد يعاجلهم الله بالعذاب والعقاب قبل المجرمين الحقيقيين.

أما خوفك على المستقبل فهو أولاً بيد الله وحده لا يعلمه إلا الجليل سبحانه.

ثانياً : هل تشك في قدرة الله على نصرة أوليائه؟
ألم تقرأ قول الحق تبارك وتعالى: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:62-63]؟
ألم تقرأ قوله تعالى: (( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ))[الروم:47]؟
ألم تقرأ: (( حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ))[يونس:103]؟
ألم تقرأ: (( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُو))[الحج:38]؟
ألم تسمع قول الجليل سبحانه في الحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.. وإن أحب شيء إلي نصرة أوليائي).

أخي محمد! اترك عنك هذه الأفكار الشيطانية، واثبت على الحق، ولا تتخل عن دينك ومبادئك، واعلم أن الله لم ولن يتخلى عنك، ولم ولن يستطيع هذا الرجل أو غيره أن يصيبك بأي شيء من مكروه أو أذى إلا بإذن الله وحده، حتى ولو كان هذا رئيس البلاد، كما أخبرك المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك)، فاستمسك بالحق واثبت عليه، ولا تسمع لهؤلاء المرجفين، وتوكل على الله وحده، وارفع رأسك عالياً؛ لأن وليك هو الله، وأكثر من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل) وسترى عجباً، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً