الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف كذبا ليخلص أخته من ظلم كانت ستقع فيه

السؤال

أنا كنت أشتغل بشركة طبية أنا وأختي وكنا نعمل بكل أمانة وأتى واحد واشترى الشركة وكنت أعمل بتوصيل البضاعة إلى المستشفيات وفي يوم من الأيام قمت بنقل ثلاثه طلبيات إلى 3 مستشفيات حيث إني وصلت اثنتين والثالثة لم يقبلوا استلامها إلا بعد فتره من الزمن 20 يوما حيث إنني قمت بوضع البضاعة عندي بالبيت لحين استلامها وبعدها مباشرة قمت بالسفر إلى بلد آخر ونسيت موضوع البضاعة، وبعدها قام مدير الشركة الجديد بالتحري فوجد أن البضائع لم تصل إلى المستشفى حيث قام بالفور بإبلاغ الجهات الأمنية واتهامي أنا وأختي بسرقة البضاعة، وفي حينها قام أخي وأرسل البضاعة إلى المستشفى، المهم أنا تنازل عني وبقيت الشكوى قائمه على أختي ليضرها لأنه باعتقاده أنها هي التي باعت الشركة وضحكت عليه بما أنها نائبة المدير السابق، وبعد ذلك أنا رجعت من السفر وطلبوني للشهادة في المحكمة حيث إنني حلفت على القرآن أنني أنا الذي استلمت وأنا سلمت البضاعة لكي أبعد أي تهمه عنها، وهذه قصتي يا شيخنا لا أعرف ما هي الكفارة لها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فملخص ما فهمناه من السؤال هو أنك تعمل في توصيل البضاعة إلى المستشفيات، وأنك في أحد الأيام كان عندك ثلاث طلبات، أوصلت منها اثنتين ولم توصل الثالثة، لأنهم لم يقبلوا منك استلامها إلا بعد أن تمضي عشرون يوماً، ثم قمت بوضع تلك البضاعة في البيت في انتظار الوقت الذي يحين فيه استلامها، وفي أثناء ذلك سافرت ونسيت الموضوع، ولما اطلع المدير على أن البضاعة لم تصل، رفع شكوى إلى الجهات الأمنية ضدك وضد أختك يتهمكما فيها بالسرقة، ثم أوصل أخوك البضاعة إلى المستشفى وعفا المدير عنك دون أختك، فأردت أنت تخليص أختك من ذلك فحلفت على المصحف أمام المحكمة أنك أنت الذي استلمت البضاعة، وأنك سلمتها إلى الجهة المراد توصيلها إليها.

فإن كان هذا هو الذي أردت كتابته في السؤال، فإن ما حلفت عليه لم يختلف عن واقع المسألة إلا في أنك أنت الذي أوصلت البضاعة، والصحيح أن أخاك هو الذي أوصلها، وكان في الإمكان أن تذكر القصة بحقيقتها، لأن تأخير الإيصال كان بسبب الجهة المرسل إليها، ولأنك أنت سافرت فلم تعد مسؤولاً عن الإيصال قبل أن تعود، وعلى أية حال فإن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ولا سيما إذا كان مغلظاً بإحضار المصحف والحلف عليه، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره مجرد كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه.

وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ {المائدة:89}، ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم ولأن موجب كل من التوبة والكفارة قائم فلا يغني أحدهما عن الآخر.

أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رُخص فيه فيما إذا تعين للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.

وبما أنك ذكرت أن الحامل لك على الحلف هو رجاء تخليص أختك من ظلم كانت ستقع فيه، فنرجو أن لا يكون عليك من حرج في هذه اليمين، وعليك أن تكفر عن اليمين احتياطاً كما قدمنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني