السؤال
أنا شاب مسلم تقدمت لخطبة فتاة مسلمة ملتزمة ذات دين وخلق ولا نزكيها على الله, لم تنشأ الفتاة مع أبويها فهي لا تمت لهم بصلة من حيث الأخلاق إذ أن فيها من الحياء وحسن الخلق وحسن السمت ما دفعني لأن أطلبها, ونريد الزواج في الأسابيع المقبلة. إلا أن في المسألة من الجوانب ما يحول بيني وبين صحة عقد النكاح.
أب الفتاة لا يصلي ولا يقيم للدين وزنا, يصلي يوما ويتركها سنين, مصر على تركها للأسباب التي يرددها كل العصاة, له كبائر مصر عليها عنادا وجحودا, لا يستمع لكلام كبير ولا صغير قريبا كان أم بعيدا. لها أخ بالغ يصغرها سنا تارك للصلاة تكاسلا وتقاعسا. ليس لديها أعمام ولا أجداد (من الجهتين), لها خالان ملتزمان نحسبهم على خير. ليس لدينا في بلادنا قاض شرعي, إذ أنها علمانية رغم أنها عربية وظاهرها الإسلام بل ومضطهد فيها كل من اتبع طريق الرشاد.
لا أعلم من سيكون وليها في عقد النكاح, إذ أنه إذا جاز أن يكون أحد أخوالها هو الولي فإن أباها سيرفض حتما لما في ذلك من إهانة في نظره واعتداء على الكرامة وسيؤدي هذا إلى مشاكل أنا في غني عنها وربما رفض تزويجها لي وهو ما سيسبب لي ولها ضيقا كبيرا في الصدر . وإن أجبرته على الصلاة يوم العقد فإنه سيتركها في الغد إن لم يكن في يومها, هذا إن أجاب.
أرجوا منكم أن تفتوني في أمري فإني لا أعلم من يكون الولي في هاته الحالة، ونسأل الله العلي القدير لكم التوفيق في الحياة الدنيا والنجاة من النار في الآخرة، فهو ولي ذلك والقادر عليه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يلي أمر تلك الفتاة وولايتها هو والدها لأن ما ذكرت عنه فسق لا يسقط الولاية على الصحيح؛ إلا أن يكون جاحدا لوجوب الصلاة أو مستحلا لما يرتكبه من الكبائر وأقيمت عليه الحجة في ذلك فإنه يكفر، وتسقط ولايته بعد إقامة الحجة عليه، والظاهر من السؤال أنه ليس كذلك وإنما هو مفرط في جنب الله ظالم لنفسه فاسق بتقصيره فلا تسقط ولايته، وإليك كلام أهل العلم في عدم سقوط الولاية بالفسق.
قال خليل بن إسحاق المالكي ممزوجا بكلام شارحه: لا ذي فسق فلا يسلبها -يعني الولاية- على المشهور، لكن يسلب الكمال. اهـ.
وقال المرداوي الحنبلي: الرواية الشافية: لا تشترط العدالة، فيصح تزويج الفاسق. اهـ.
وقد أفتى الشيخ عبد الرحمن السعدي وهو من علماء الحنابلة المحققين بأن القول بسقوط ولاية الفاسق مناقض للأدلة الشرعية، والصواب بقاء ولايته لأولاده على مالهم ونكاحهم وحضانتهم..
وبناء عليه، فولاية تلك الفتاة إنما هي لأبيها، وإن كان ارتكابه لتلك المعاصي وتهاونه بالدين أمرا خطيرا ووزرا كبيرا سيما تركه الصلاة، فقد قال بعض أهل العلم بكونه كفرا ولو تهاونا، لكن قول الجمهورعدم تكفير تاركها تهاونا وكسلا، فينبغي أن ينصح ويذكر ويخوف من عاقبة فعله لعله يتوب إلى الله عز وجل.
ولم نفهم مقصود السائل بقوله (كبائر مصر عليها عنادا وجحودا) فإن كان يقصد المبالغة في وصف هذا الرجل بالمعاصي والإصرار عليها فإن ذلك لا يخرجه من الإسلام، أما إن كان ينكر تحريم ما علم تحريمه بالضرورة كالزنى وشرب الخمر فإن ذلك كفر، لكن لا بد من إقامة الحجة عليه وانقطاع أعذاره.
فينبغي الحذر كل الحذر من التكفير والتهاون في شأنه فلا بد من التحقق من توفرشروطه وانتفاء موانعه وإقامة الحجة قبل إطلاقه على المعين لما يترتب عليه من أحكام شرعية خطيرة، وللوقوف على تفصيل ذلك انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43004، 721، 4132.
والله أعلم.