الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اطلعنا على سؤالك وما ورد فيه من شبهات يرددها النصارى؛ ليصدوا الناس عن الإسلام، ووجدنا أن هذه الروايات التي أوردوها أما مكذوبة مفتراة، وإما منزوعة من سياقها بما يفسد مدلولها، كل ذلك للحط من منزلة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك ما يلي:
(1) حديث: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة .. وأصله في البخاري والذي أورده الكافر للنيل من حبيبنا صلى الله عليه وسلم، والمرأة لم ترد الاستهانة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن السوقة معناها الرعية أي من ليس بملك كائنا من كان، فكان مما بقي فيها من آثار الجاهلية ظنها أن الملكة لا يتزوجها إلا ملك، فقالت ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم قد اختار أن يكون عبدا رسولا تواضعا منه صلى الله عليه وسلم.
والسؤال الذي نوجهه لذلك النصراني الجاهل: هل إذا جهل أحد السفهاء على نبينا صلوات الله وسلامه عليه فصبر على الأذى أيعد ذلك منقبة له أم مذمة؟
(2) الخبر الذي ذكره ذلك الكافر والمشتمل على الإساءة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم (حاشاه من كل من سوء ) ناسبا إياه لسيرة ابن هشام ــ خبر مكذوب من وضع ذلك المفتري، لا وجود له في سيرة ابن هشام ولا في غيرها.
(3) حديث أمنا عائشة ( والله إني لأظنك تحب موتي ..) والذي اعتبره ذلك الكافر دليلا على رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في جماع أهله، فنقول له إن كمال رجولة وفحولة النبي صلى عليه وسلم منقبة يمدح عليها، وهل في إتيان الرجل نساءه اللاتي أحلهن الله تعالى له مانع، ونضيف أن سياق هذا الخبر كان متعلقا باستخلاف أبي بكر في الصلاة ولكن ذلك الكافر نزع الخبر من سياقه، فعليه من الله ما يستحق!! وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 108262 .
(4) الحديث الذي رواه الإمام مسلم مرفوعا إلى رسول الله صلى عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها. لا دلالة فيه على انتهاء الإسلام، كما وهم الكافر، بل يدل على أن الشر يزيد في آخر الزمان، وقد دلت أحاديث كثيرة على علو الإسلام وانتصار المسلمين قبل قيام الساعة، ومن ذلك أحاديث الطائفة المنصورة، وانظر الفتويين رقم: 58011 ، 70956.
(5) حديث: استقبلوا بمقعدتي القبلة. قال في عون المعبود في كلام طويل للإمام ابن القيم: حديث عراك عن عائشة: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة. فالجواب أن هذا الحديث لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة. حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري وقال بعض الحفاظ. هذا حديث لا يصح، وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، المعانون عليها...إلخ انتهى.
وعلى فرض صحة الحديث أي عيب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن توجه المقعدة التي يقعد عليها في بيت الخلاء لقضاء حاجته إلى القبلة ليبين جواز ذلك الفعل وعدم حرمته أو كراهته ردا على من توهم ذلك.
(6) حديث: من أتى بهيمة فلا حد عليه. هو من كلام ابن عباس رضي الله عنهما، وهو لا يفيد إباحة هذه الفعلة الشنيعة، بل النصوص في تحريمها وعدها من كبائر الذنوب كثيرة، وإنما يفيد عدم وجوب إقامة حد الزنا على مقترفها، وهذا لا يعني أنه لا يعاقب عليها، بل إنه يعزر تعزيرا بليغا. وانظر الموسوعة الفقهية 2/8322.
(7) ذكر كلاما مفاده أن خطر اللسان على الأديان ربما فاق خطر اليدين، واستشكل حصول ذلك، مع أن هذا الكلام صحيح، لكنه لم يفهمه لضيق عطنه، وانظر الفتويين رقم: 65531 ، 48888 . ثم ذكر ذلك الكافر كلاما يظهر منه أنه لا يفهم أن سب الرسول وإيذاءه ردة عن الإسلام توجب القتل. وتلك مسألة طويلة الذيول، وانظر الفتويين رقم: 1845 ، 53874 .
(8) قال عن جبريل عليه السلام أنه إله الإسلام، وهذا الكلام لا يفوه به إلا من فقد عقله.
فإن جبريل عليه السلام لم يقل ذلك ولم يدعه، ولا ادعاه له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي كذب أقبح من كذب هذا المفتري.
هذا، وقد لاحظت أنك نقلت في سؤالك شبهات ذلك النصراني الكافر ممزوجا بالسباب الذي وجهه لأشرف خلق الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من كل منقصة.
وكان الواجب عليك إذا استشكلت كلام الكافر النصراني أن تذكره لنا مجردا عن تلك الشتائم والإهانات، وذلك من تعظيم حرمات الله تعالى وشعائره، ولذلك فقد حذفنا تلك الشتائم.
وانتبه أن هؤلاء المسيئين للإسلام يستغلون جهل المسلمين بدينهم وبقدر منزلة نبيهم، فينشرون في فضاء الإنترنت ما يشاؤون دون خوف من رقيب أو حسيب، لعلمهم أن أغلب المسلمين لن ينشطوا لتتبعهم، وعلى هذا فننصحك بالحرص على طلب العلم النافع والاستقامة على دين الله، والحذر من الدخول على المواقع التي تعرض شبهات النصارى صيانة لدينك.
وانظر الفتوى رقم: 78538 حيث عرضنا فيها الأسباب التي دفعت رسول الله صلى الله عليه وسلم للزواج بأكثر من امرأة ــ قطعا لألسنة المغرضين.
وانظر الفتوى رقم: 47095 ففيها دلالة على المواقع الالكترونية المتخصصة في الرد على الشبهات التي يثيرها النصارى.
والله أعلم.