الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعطاه أبوه أرضا فبنى فيها ثم عاد فأخذها منه

السؤال

شيخنا الفاضل تفضلوا بالنظر في مسألتي التي طرأت بيني وأبي وأخي والتي جعلتني حيران كيف أتصرف. أبي أعطاني قطعة أرض منذ 14 سنة، وذلك لبناء مستودع لسيارتي فبنيت المستودع من مالي الخاص، ثم كنت أستغله طوال هذه الفترة، ولكنه منذ شهرين تراجع عما أعطانيه إياه وتنكر لي، وقال إنه هو الذي بناه وأني لم أبن شيئا ، وأعطى المستودع لأخي فحاولت إقناعه بشتى الطرق، لكنه رفض بل في كل مرة يهددني بطردي من المنزل مع العلم أن أبي لم يعدل في القسمة بيننا، فقد جئنا بخبير في تقسيم التركات فتبين أن أخي يملك أكثر مني إلا أن أبي لم يقبل ويستهزئ بي لأني ملتح ويصف اللحية بالوسخ، ويصف زوجتي المنتقبة بالجاهلة ويستهزئ بعدم مخالطتها للرجال، مع كل هذا فإني صابر وأزوره يوميا وأدعو له بالخير، كما أنه سبق له أن طرد والدته أي جدتي من منزله، حيث كانت تقيم معه، وبقيت العلاقة مقطوعة مع والديه حتى وفاتهما، مع العلم أني أستغل مقر إقامة جدتي سابقا، والذي يملكه والدي للعمل به والاسترزاق منه. فالرجاء أن تجيبوا عن أسئلتي:
1.هل علي ذنب إذا اشتغلت في هذا المحل الذي طرد منه جدتي؟ 2.هل يجوز أن أطالب بالمستودع الذي بنيته من مالي الخاص؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

1- فهذا المحل قد ذكرت أنه ملك لوالدك، وطالما أنه ملك له فلا يجوز لك العمل فيه إلا بإذنه، لكن الذي يظهر أنه طالما أنك تعمل فيه وهو يراك ولم يطالبك بتركه فذلك إذن عرفي يجري مجرى الإذن القولي، لكن يبقى أنه إذا طلب منك أبوك مغادرته أو طالبك بأجرة فإنه يلزمك ذلك.

2- أما المستودع الذي وهبه لك أبوك ثم رجع في هبته، فينبغي التنبيه أولا إلى أن مجرد قول الأب لابنه ابن هذه القطعة مستودعا ونحو ذلك لا يكفي في اعتباره هبة كما بينا في الفتوى رقم: 36315، بل الواجب أن يشهد على أنه وهبها له حقيقة، وإذا ثبت أنه وهبها له حقيقة، فإنه وإن كان الأصل أن الوالد يجوز له أن يرجع فيما وهبه لابنه، إلا أن هذا ليس على إطلاق، بل هو مقيد بقيود، ومن هذه القيود ألا تتغير الهبة في يد الولد جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: وَإِنَّمَا يَسُوغُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْهِبَةُ فِي يَدِ الْوَلَدِ. انتهى.

وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وله أي الأب أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير (وكذلك الأم) ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثاً، قال العدوي: أي حادثاً ينقصها في ذاتها أو يزيدها فإنها تفوت عليه. اهـ ممزوجاً بشرح النفرواي.

فطالما أن الهبة قد تغيرت ببنائك عليها من مالك فإنه لا يجوز له الرجوع، فإذا انضم إلى ذلك أنه أخذه منك وأعطاه لأخيك، فهنا يتأكد المنع لأن محل جواز رجوع الوالد إذا كان لغرض شرعي أو عادي، أما أن يرجع في هبته ليعطيها لولد آخر، فهذا لا يجوز لما فيه من إغراء الأولاد بعضهم ببعض وإلقاء العداوة بينهم، فأشبه تفضيل بعضهم على بعض في الهبة.

وبالتالي، فإنه يجوز لك أن تطالب أباك بهذا المستودع؛ لأنه قد تعلق حقك به، مع أن أمور المناكرة و الخصام لا يفيد فيها إلا القضاء.

وفي النهاية فإنا ننبهك إلى ما هو أهم من هذا كله وأعظم، ألا وهو حال أبيك مع ربه، فإن ما ذكرته من حاله ووصفه للِّحية والنقاب بما وصف ليدل – والعياذ بالله – على خراب دينه، فإن اللحية والنقاب من شعائر الله، والاستهزاء بشرائع الله كفر مخرج من الدين، فاستنقذ – رحمك الله – أباك من عذاب الله، وانصحه وعظه وقل له في نفسه قولا بليغا، فإن أعرض عن كلامك ولم يستجب لك فاستعن عليه ببعض أهل العلم والخير في محيطكم، وأكثر من الدعاء له بظهر الغيب، فلرب دعوة تفتح لها أبواب الإجابة يغير الله بها الحال إلى أحسن حال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني