الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف بالطلاق ألا تضع السيجارة في فمها فأصبحت تشم دخانها

السؤال

تزوجت من ابن خالي، كنا قد تربينا معا، كان يعلم أني أدخن السجائر، وكنا قبل الزواج فى بعض الأحيان يدخن معي، بعد الزواج منعني مرات عديدة، وأنا كنت متعلقة بها كثيراً، لأني كنت أدخن وأنا فى العاشرة من العمر. المهم لم يستطع حتى حلف علي إذا وضعتها فى فمك تبقين طالقا، وعلى الفور مع الجهل بتعليم أمور التشريع فى مسائل حلف اليمين وعلمي وقتها أن الحلفان بنص الكلام بمعنى أني لن أضعها فى فمي، ولكن كنت أشعلها وأضعها أمامي لتدخل دخنها فى أنفي مع الحرص على عدم فتح فمي وأنا أفعل ذلك، واستمررت على ذلك سنين عديدة، وفي كثير من المرات كنت أضعها فى أنفي، وأنا حريصة على أن أغلق فمي، حتى لا يدخل الدخان أو يخرج من فمي. المهم استمررت على ذلك حتى كرهتها وتركتها، ولكن كان قد بدأ الشك يدخل فى نفسي على ما فعلت، فقررت أن يعلم زوجي، ولكن بطريقة أخرى فانتظرت عند أول خلاف بيني وبينه، وأشعلت السجائر ووضعتها فى فمي أمامه، ولكن زوجي بعد عدة أيام سأل شيخا، وفعل كفارة اليمين وأطعم عشرة مساكين وقتها فرحت؛ لأني تخلصت من حمل ثقيل. أما الآن فحملى أثقل لأني كلما كبرت أعلم بأشياء لم أكن أعلمها فلا أدري ما فعلته صحيح أم أنا خلطت الأمور.. وسؤالي هو: هل وقع يمين الطلاق بما فعلته حتى لو لم يكن بطريقة مباشرة، وهل أنا زوجته أم لا؟ لأنه لم يعلم شيئا إلا ما رآه، وكان بعد عدة سنين. وسؤالي أنه فعل كفارة اليمن وأنا لست فى عدة الرجوع، ولكنه كان قد مرت أعوام كثيرة، أفتوني أفادكم الله. فهذا الأمر أثقل على قلبي وأجهده، وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أقول لزوجي أي شيء؛ لأني كبرت في العمر، فهذه الأحداث على مدار 16 عاما فأكرم لي أن أتركه حتى لا أغضب الله، ولكني لا أستطيع أن أحكي له. أرجو الرد سريعا. فهذا السؤال يشغلني منذ عام ونصف وأرهقني كثيراً، وأشعر بأني أزني مع زوجى كل يوم، وما زاد من خوفي أني صليت صلاة استخارة، ورأيت أني أعاشر الشيطان وأنا نائمة على السرير أمام زوجي وهو يعلم، ولكن لم يفعل شيئا، وأني ذاهبة إلى الشيطان وزوجي يراني، وعندما وقفت أمامه فقال لي الشيطان أنت تريدين أن تتركيني فأتركيني. فهناك كثير وكثير غيرك، فهذا الحلم أرعبنى وزاد خوفي ورعبي من الله. كتبت ما فعلت كله بالتفصيل حتى تفيدوني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا علق الرجل طلاق زوجته على فعل شيء، فإنها تطلق بفعل هذا الشيء عند جمهور العلماء، سواء قصد الزوج الطلاق أو التهديد، خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أنه إن قصد به التهديد فلا يقع الطلاق بفعل المحلوف عليه، وإنما فيه كفارة يمين.

أما عن سؤالك فإن حلف زوجك أنك تطلقين إذا وضعت السيجارة في فمك، الظاهر أن المراد منه المنع من التدخين، وليس مجرد وضع السيجارة في الفم، والأصل في الأيمان أنها تحمل على النية، وليس على ظاهر اللفظ، قال ابن قدامة في الكافي: ومبنى الأيمان على النية فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه دون ما لفظ به. اهـ. وعلى ذلك فما فعلته من التدخين دون وضع السيجارة في الفم يقع به الطلاق، لكن ما دمت فعلت ذلك متأولة أن اليمين تحمل على ظاهر اللفظ، فالراجح عدم وقوع الطلاق في هذه الحالة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ... قد يفعل المحلوف عليه ناسياً، أو متأولاً، أو يكون قد امتنع لسبب، وزال ذلك السبب، أو حلف يعتقده بصفة فتبين بخلافها، فهذه الأقسام لا يقع بها الطلاق على الأقوى.

أما المرة التي وضعت فيها السيجارة في فمك، فقد فعلت المحلوف عليه، فعلى قول الجمهور قد وقع الطلاق، لكن إذا كان زوجك قد سأل أهل العلم الموثوقين فأفتوه بعدم وقوع الطلاق ووجوب كفارة يمين، فلا حرج في ذلك لأنه قول معتبر قال به بعض أهل العلم المحققين، وعلى ذلك فلا تزالين زوجته ومعاشرته لك حلال، لكن ننبه السائلة إلى أن التدخين أمر محرم لما فيه من الأضرار البليغة، وانظري لذلك الفتوى رقم: 1819.

فيجب عليك أن تتوبي إلى الله مما سبق، بترك التدخين والندم على ما فات والعزم على عدم العود مع الاستعانة بالله، والإكثار من الأعمال الصالحة، وخاصة الصلاة والذكر والدعاء، مع الحرص على الأذكار المشروعة في الصباح والمساء وعند النوم، ومعاشرة زوجك بالمعروف والتعاون معه على طاعة الله واجتناب المعاصي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني