الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يريد الزواج من فتاة أبوها يسب الله ورسوله ويرفض تزويجها

السؤال

أنا رجل أبلغ من العمر أربعين عاما، صاحب شركة صناعية تجارية، لها فروع كثيرة والحمد الله، وضعي المادي ممتاز، وذلك الفضل من الله، وتحصيلي العلمي ممتاز، تعرفت على فتاة من السعودية قبل عشر سنوات عن طريق الانترنت، وكانت في الثامنة عشر من عمرها في حينها أحببت هذه الفتاة، لكن لم أتقدم للزواج بها، لأنني أحببت أن تكمل تعليمها قبل أي شيء، وشجعتها على التعليم، وعلى دخول كلية الطب، وتخرجت وأصبحت الآن طبيبة، وتختص الآن بدراسة الأعصاب، وأصبح عمرها ثمانية وعشرين عاما. طوال فترة العشرة أعوام كان والدها يعرف أنني على علاقة بها، ويعرف أنني كنت أكتب لها وتكتب لي، وعلى فكرة طوال هذه السنين والله لم ألمسها، حتى والله لم أقابلها وجها لوجه إلا مرة واحدة، خوفا عليها وعلى نفسي، فنحن والحمد الله ملتزمون دينيا وأخلاقيا. قبل سنة ونصف طلبت يدها من والدها للزواج بها، لكنه رفض وطلبتها مرة ثانية ورفض، وطلبتها مرة ثالثة فرفض، لكنها ذهبت لتكلمه وتقول له إنها تريدني، فجن جنونه، وتهجم عليها، وكاد أن يقتلها لولا أن الله لطف بها ونجت من بين يديه، بعد هذه الحادثة اعترفت لي الفتاة أن والدها يشرب الخمر، ولا يصلي ولا يصوم، وأنه كان دائما على مشاكل معها هي وأختها؛ لأنها تتحجب ويريد منهم أن يكونوا متبرجات، ولا يريد الحجاب، وأنه كثيرا من الأحيان يشتم الذات الإلهية والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. بعد هذه الحادثة طلبتها منه خمس مرات لكنه يرفض، سبب رفضه كما قال لابنته أنني فلسطيني، وهو لا يزوج فلسطينيا، وأحتاج لتصريح من دولته للموافقة على الزواج، لكن في نفس الوقت تقدم للفتاة أكثر من واحد ومن نفس جنسيتها لكنه رفضهم أو لم يهتم بهم، لكن السبب الحقيقي لرفضه الزواج أنها الآن تشتغل، وتحصل على معاش كبير، وهي من تصرف عليه وعلى البيت، باختصار استثمار جيد، ولا يريد أن يضيعه من يده برغم أني عرضت عليه مهرا عاليا جدا ومؤخرا عاليا، وقلت له إنني على استعداد لقبول أي شرط هو يريده لكنه رافض رافض.
الآن قررنا أنا والفتاة الزواج، ونبحث عن طريقة تكون شرعية ترضي الله ورسوله، أنا على حد علمي أعرف أن ولاية والدها ساقطة عنها بحكم أنه لا يصلي ويشرب الخمر ومعترض على كثير من تعاليم الإسلام، وبنفس الوقت جدها متوفى، وأعمامها بينهم وبين والدها مشاكل كثيرة، وتقريبا لا يكلمون بعضهم من سنين. وإذا ذهبنا إلى القاضي الشرعي في السعودية سنواجه مشكلتين الأولى أن والدها سيقتلها سيعتبر أنها فضحته ونحن متأكدون أنه سيقتلها لأنها في نهاية المطاف ستنام في البيت عنده، والمشكلة الثانية أننا نحتاج لتصريح من الدولة قبل كل هذا الكلام، وهذا التصريح مشكلة بحد ذاته، وأنا شخصيا لا أعتبره شرعيا بل قانون وضعي لقول الله عز وجل في كتابه العزيز (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ولقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"
سؤالي الآن هو إذا ذهبنا إلى أي بلد عربي على سبيل المثال إلى سوريا وتزوجنا زواجا شرعيا على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بشهود ومقدم و مؤخر. هل يكون هذا الزواج شرعيا وإذا دخلت بها هل يعتبر زنا أو هو حلال شرعا؟
مع علمي وقناعتي أن هذه الأمر غلط على ما قد يترتب عليه من مشاكل اجتماعية مع والدها، لكننا والله عجزنا، ولا يوجد لنا طريق غير هذه الطريق. أفيدوني أفادكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أخطأت أيها السائل في علاقتك مع هذه الفتاة عبر النت، وكون العلاقة قاصرة على هذا القدر دون لقاء أو غيره لا يسوغ استمرارك فيها؛ لأن مجرد هذه العلاقة محرمة ولا تجوز، فعليك بالتوبة إلى الله سبحانه عما كان منك، وأن تقطع علاقتك بها فورًا قبل أن يستزلك الشيطان إلى ما لا تحمد عاقبته.

أما بخصوص والد هذه الفتاة فإن كان ما نقلته عنه صحيحا من كونه يسب الله ورسوله فهو مرتد عن الدين خالع لربقة الإسلام من عنقه، ولا ولاية له على ابنته في زواجها، لكن الحكم عليه بالردة ليس إليك وإنما إلى القضاء.

يبقى بعد ذلك النظر في كيفية تخلصها من عضله، والذي نراه في هذا الوضع هو أن تلجأ إلى القضاء والسلطات لرفع عضله، ثم لحمايتها من انتقامه بعد ذلك، وعليها أن تلح عليهم في ذلك ولا تغادر مكانها حتى يضمنوا لها السلامة والحماية اللازمة، ولا نظن أنه سيقدم على إيذائها إذا وصل الأمر إلى السلطات.

ويمكنها مع ذلك أن تعرض أمرها على بعض أهل العلم أو الدعاة الذين يتمتعون بنفوذ وتأثير فستجد لديهم - إن شاء الله - عونا لها ومخرجا.

فإن خافت أيضا - بعد هذه الاحتياطات - من انتقامه أو بطشه فعليها أن تغادر بيته وتسكن مع غيره من عصباتها أو أرحامها، وكونهم في خلاف وقطيعة مع والدها لن يمنعهم إن شاء الله من مساعدتها في مثل هذه الظروف .

وعليها أن تكثر من الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله سبحانه أن يصرف عنها هذا الكرب، وأن يجعل لها فرجا ومخرجا.

أما ما سألت عنه من سفركما لبلد آخر وإتمام عقد الزواج هناك، فهذا لا يجوز لما يكتنفه من المخالفات الشرعية الصريحة، ومنها سفرها بدون محرم، وهذا حرام كما بيناه في الفتوى رقم: 6693 .

وكذا تزويج المرأة نفسها بدون ولي فإنه لا يجوز على الراجح من أقوال أهل العلم حتى ولو عضلها وليها، وإنما القاضي هو الذي يزوجها في حال عضل الولي. على ما بيناه في الفتوى رقم: 7759 .

ولها حينئذ أن تتزوج بمن شاءت ما دام كفؤا لها، وطالما أنه قد آل أمر تزويجها إلى القضاء فإنه لن يمكنك الزواج بها إلا اتبعت الإجراءات الرسمية واستصدرت هذا التصريح المطلوب.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني