الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقسم ألا يأخذ مالا من صديقه فأعطاه له من الغد فهل عليه كفارة

السؤال

أنا مشترك مع صديق لي في اشتراك للإنترنت، و في أحد الأشهر كان يعطيني الاشتراك فحلفت عليه ألا آخذ الاشتراك هذا الشهر، و كنت أعني ذلك فاستجاب لذلك، و في اليوم التالي أعطاني الاشتراك وقال لي لقد حلفت في اليوم أما الآن فيجب أن أخذه فأخذته، فهل علي كفارة، و إذا كان علي كفارة هل يقضي اليمين أن ألا آخذ منه الاشتراك الشهر القادم؟ ولكم مني جزيل الشكر

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كنت قد قصدت بيمينك هذا ألا تأخذ اشتراك هذا الشهر أبدا لا في يومك هذا ولا بعده، ثم أخذته فقد حنثت في يمينك ووجبت عليك الكفارة، وهذا هو الظاهر من حال السائل الكريم ؛ حيث يقول عن نفسه: (وكنت أعني ذلك).

وإن كنت قصدت يومك هذا خاصة ثم أخذته في اليوم التالي فلم تحنث وليس عليك كفارة.

هذا إذا كان قسمك على سبيل الالتزام لا على سبيل الإكرام لصاحبك، أما إذا كان قصدك مجرد إظهار الإكرام دون أن تنوي الالتزام بذلك ففي وجوب الكفارة حينئذ خلاف، والراجح عدم وجوبها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه لا إلزامه به؛ لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف. اهـ.

ونقله عنه ابن مفلح في الفروع والمرداوي في الإنصاف والبهوتي في كشاف القناع والرحيباني في مطالب أولي النهى. وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين: 114705، 44587.

ثم ننبه السائل على أنه لا ينبغي الاستهانة بشأن اليمين، فقد ذكر الخادمي في آفات اللسان كثرة الحلف ولو على الصدق وقال: لاستهانته بالله تعالى وانتهاك حرمة القسم واعتياد لسانه على ذلك، ولذا قال الشافعي: ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا. قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً - جنة ومحلا- لِأَيْمَانِكُمْ ومعنى الآية .. لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف لأن هذا ليس من تعظيم الله، فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم. ولا تطع كل حلاف كثير الحلف في الحق والباطل مهين حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة. اهـ من بريقة محمودية باختصار.

وقال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً: معناها لا تكثروا الحلف بالله ، وإن كنتم بارّين مصلحين ، فان كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه. نقله ابن الجوزي في زاد المسير.

ومع ذلك فقد كان المستحب لزميلك أن يبر قسمك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم:113691.

هذا واعلم أنك لا يكفيك بدل التكفير عن اليمين أن تمتنع عن أخذ الاشتراك من صديقك لشهر قادم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني