السؤال
ماذا يجوز للزوجين وماذا يحرم عليهما في حالة صيامهما تطوعاً، أو في رمضان، أو في حالة صيام أحدهما فقط،؟ هل يحرم الجماع فقط أو حتى المداعبة والقبل؟
وجزاكم الله خيراً.
ماذا يجوز للزوجين وماذا يحرم عليهما في حالة صيامهما تطوعاً، أو في رمضان، أو في حالة صيام أحدهما فقط،؟ هل يحرم الجماع فقط أو حتى المداعبة والقبل؟
وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فها هنا مسألتان:
الأولى: أن يكون أحد الزوجين أو كلاهما صائمين تطوعاً، فلا يحرمُ عليهما شيء لا الجماع ولا غيره، لأن الخروج من صوم التطوع جائز عند الشافعي وأحمد، وهو الراجح عندنا. وانظري الفتوى رقم: 79433.
ومن دخل في صوم تطوع أو صلاة تطوع استحب له إتمامها فان خرج منها جاز، لما روت عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل عندك شيء؟ فقلت: لا، فقال: إذاً أصوم، ثم دخل علي يوما آخر فقال: هل عندك شيء؟ فقلت: نعم، فقال: إذاً أفطر؛ وإن كنت قد فرضت الصوم. انتهى. والحديث المذكور رواه مسلم بمعناه كما قال النووي.
ثانياً: أن يكون أحد الزوجين أو كلاهما صائماً صوماً واجباً، كرمضان أو قضاء، أو كفارة، فالجماع في هذا الصوم محرمٌ بلا شك، ويفطر به الصائم إجماعاً، وتجبُ عليه الكفارة إن وقع الجماع في نهار رمضان، وأما القبلة والمباشرة فتحرمُ إن غلب على الظن حصول الإنزال معها.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا ثبت هذا، فإن المقبل إن كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة، لأنها مفسدة لصومه فحرمت عليه كالأكل، وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل، لأنه يعرض صومه للفطر، ولا يأمن عليه الفساد. انتهى.
وقال النووي- رحمه الله- مبيناً مذاهب العلماء في حكم القبلة والمباشر للصائم: ذكرنا أن مذهبنا كراهتها لمن حركت شهوته ولا تكره لغيره والأولى تركها ،فان قبل من تحرك شهوته ولم ينزل لم يبطل صومه، قال ابن المنذر: رخص في القبلة عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وعطاء، والشعبي، والحسن، وأحمد، وإسحاق. قال: وكان سعد بن أبي وقاص لا يرى بالمباشرة للصائم بأسا، وكان ابن عمر ينهى عن ذلك. وقال ابن مسعود: يقضي يوما مكانه، وكره مالك القبلة للشاب والشيخ في رمضان، وأباحتها طائفة للشيخ دون الشاب ممن قاله ابن عباس، وقال أبو ثور: إن خاف المجاوزة من القبلة إلى غيرها لم يقبل. هذا نقل ابن المنذر. ومذهب أبي حنيفة كمذهبنا، وحكى الخطابي عن سعيد بن المسيب أن من قبل في رمضان قضى يوما مكانه، وحكاه الماوردي عن محمد بن الحنفية، وعبد الله بن شبرمة. قال: وقال سائر الفقهاء القبلة لا تفطر إلا أن يكون معها إنزال فإن أنزل معها أفطر ولزمه القضاء دون الكفارة. انتهى.
ومما يدلُ على أن الحكم منوطٌ بخشية ثوران الشهوة، ما جاء في السنن عن أبي هريرة: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب.
وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه. متفق عليه.
وهاهنا تنبيه مهم، وهو أن للزوج أن يفسد صوم زوجته إذا صامت تطوعاً بغير إذنه، وكذا إذا صامت نذراً لم يأذن لها فيه، وله أن يفسد صومها إذا كان الصوم واجباً عليها، وكان وجوبه على التراخي كالقضاء إذا شرعت فيه بغير إذنه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه. متفق عليه.
قال الحافظ في الفتح: قوله إلا بأذنه. يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت. انتهى.
وقال النووي في شرح مسلم: وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا واجب على التراخي. انتهى.
وأما إذا أذن لها في الصوم المفروض فليس له أن يحللها منه، وليس لها أن تطيعه إذا طلب منها ذلك لقوله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم. {محمد:33}. وكذا في صوم التطوع إذا أذن لها فيه، فليس له أن يفسد صومها، ويجوز أو يُستحب لها أن تجيبه إلى الفراش إذا طلب منها ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها. ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟ الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني