الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لدي حساب استثماري، اشترطت على البنك عدم التعامل بالربا. والآن أنا في حيرة من إخراج زكاة أرباح قليلة قد لا تصل إلى قيمة زكاته، فإن زكيت عن كامل المبلغ بما في ذلك رأس المال، فإن رأس المال سوف يتناقص سنة بعد أخرى. فهل أستمر في دفع الزكاة هكذا حتى لو ضاع رأس المال أم أدفع الزكاة عن الأرباح فقط ؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان البنكُ الذي أودعت فيه هذا المال بنكاً ربوياً، فإن إيداعك المال فيه محرم، واشتراطك عليهم عدم التعامل بالربا لا ينفع، لأن الفصل بين معاملات المودعين في مؤسسة واحدة مما لا يكادُ يُتصور.

وأما إذا كان البنك الذي أودعت فيه المال بنكاً إسلاميا لا يتعامل بالربا، فإيداعك فيه مباح، سواء شرطت عدم التعامل بالربا أو لم تشترطه. وقد بينا كيفية زكاة المال المودع في البنوك ربوية كانت أو إسلامية، وما يلزم من أودع ماله في بنك ربوي في الفتوى رقم: 4653.

واعلم أن الواجب عليك على تقدير كون الأرباح ربوية أن تتخلص من هذه الأرباح في مصالح المسلمين، أو تنفقها على الفقراء والمساكين، ثم تزكي أصل مالك كما بيناه في الفتوى المحال عليها.

وأما إذا كانت هذه الأرباح مشروعة فإنك تزكي المال وربحه على رأس كل حول هجري، لأن الربح تابعٌ للأصل في نمائه فوجب أن يُزكى بزكاته.

واعلم أن زكاة المال ركنٌ من أركان الإسلام فلا يجوزُ التفريط فيها، ولا التهاون في أدائها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ. أخرجه مسلم. وقال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. {سبأ:39}. فدل ذلك على أن الزكاة ليست سبباً لنقص المال واجتياحه، بل هي سبب لتكثيره ونمائه والبركة فيه.

فعليك أن تؤدي زكاة مالك، وأنت طيب النفس قرير العين، ويمكنك أن تبحث عن وسيلة أخرى لتثمير المال، يكون احتمال الربح فيها أكبر، وهذه الوسائل كثيرة والحمد لله.

وأما أن تترك أداء الزكاة خشية أن يذهب رأس المال، فهذا من أكبر المحرمات، وأعظم الكبائر، فقد قال الله عز وجل : يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ. {التوبة 34، 35}.

ولو فُرض أن الزكاة اجتاحت المال، وأتت عليه فلم يبق لك إلا ما دون النصاب فهل في ذلك ما يبرر امتناعك عن دفع حق أوجبه الله عليك؟ أليس هذا المال محض هبة من الله عز وجل، ومنة منه تعالى، وأنت عبد مستخلف في هذا المال فوجب عليك أن تنفقه حيثُ أمرك ربك، فهو الذي خلقك، وهو الذي خولك هذا المال كما قال عز وجل: وَأَنفَقُوا مما جعلكم مستخلفين فيه. {الحديد:7}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني