الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين بر الأم وإحسان عشرة الزوجة

السؤال

أنا مقبل على الطلاق، وأريد أن أعرف هل هذه الأسباب هي أسباب شرعية تبرئ ذمتي أمام الله سبحانه وتعالى:
صرحت لي بكرهها لأمي مرارا، وأن أمي تقول لها كلاما يستحق الضرب، لا تريد البقاء في المنزل بالرغم من أنها رأته قبل الزواج، تريد كراء منزل أو أن أشتريه ولو بالقروض الربوية. تهددني وحاولت الانتحار وترد على أمي البالغة 70 سنة بكلام قاس. وفي محاولة للصلح هددني والدها بالضرب والقتل كي أعيدها، وأنه إذا انخفض ضغطها الدموي مرة أخرى فأنت المسؤول عن ذلك، علما أني لا أتواجد في المنزل إلا السبت والأحد وأيام العطل الدراسية; كما بعثت أمها بتهديد لي بالفضح والتشهير بي بأسرار عائلتي وسط زملائي وأصدقائي. وبعد وقوفنا أمام القاضي اتهموني بأنني ضربتها لإسقاط جنينها، وبأنني طردتها من بيت الزوجية وزادوا 40 يوما على التاريخ الذي أوصلتها فيه إلى منزلها بطلب من أمها، وقد وجدتها قد أعدت حقيبتها كما وجدتها قد أغلقت على نفسها في الغرفة لمدة يومين بعد أن تشاجرت مع أمي. لا أنفي أن أمي قد تقول لها كلاما جارحا لكنها امرأة مسنة ونسكن لوحدنا ثالثنا الله سبحانه وتعالى. اتبعت مع زوجتي النصح والموعظة والهجر لكن ذلك يزيد من غضبها وسخطها، يؤدي إلى انخفاض ضغطها الدموي.في الحقيقة لم أعد مرتاحا لها ولا لأهلها بعد أن تبين لي سهولة الافتراء والكذب والاتهام لديهم. وأقسم بالله أنني ما ضربتها في بطنها كما ادعت وأهلها. وإنني ما طردتها بل أوصلتها بطلب من أمها، بعد ما هاتفت ابنتها وأن التاريخ مزور.
.هل النساء كلهم هكذا فأعيدها وأكتري لها منزلا لتبقى أمي وحدها? هل أطلق? وهل ذمتي بريئة أمام الله يوم ترد المظالم لأهلها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن حقّ زوجتك أنّ توفرّ لها مسكناً مستقلاً لا تتعرض فيه لضرر، ولها أن ترفض السكن مع أمّك.

قال الكاساني في بدائع الصنائع: وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسْكِنَهَا مع ضَرَّتِهَا أو مع أَحْمَائِهَا كَأُمِّ الزَّوْجِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ من غَيْرِهَا وَأَقَارِبِهِ فَأَبَتْ ذلك، عليه أَنْ يُسْكِنَهَا في مَنْزِلٍ مُفْرَدٍ، لِأَنَّهُنَّ رُبَّمَا يُؤْذِينَهَا ويضررن بها في الْمُسَاكَنَةِ وَإِبَاؤُهَا دَلِيلُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ.

وإذا كنت قد اشترطت على زوجتك السكن مع أمّك فالواجب عليها أن تلتزم بالشرط إلا أن تكون متضررة من ذلك، فيجوز لها المطالبة بالسكن المستقل، وانظر الفتوى رقم: 28860.

لكن لا يجوز لك الاقتراض بالربا لشراء مسكن، فالاقتراض بالربا من أكبر الكبائر وممّا يوجب اللعن ومن أسباب غضب الله ومحق البركة.

أمّا عن الطلاق، فالطلاق لا ينبغي أن يصار إليه إلا بعد تعذّر جميع وسائل الإصلاح، وانظر الفتوى رقم: 48927.

وإذا كان الطلاق لغير حاجة معتبرة فهو مكروه بل قال بعض العلماء بحرمته. قال ابن قدامة في المغني في كلامه على أقسام الطلاق: ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه، وقال القاضي فيه روايتان إحداهما: أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراماً كإتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه و سلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية: أنه مباح.

أمّا إذا كان الطلاق لسوء عشرة الزوجة فهو مباح ولا إثم فيه ولا كراهة، فإذا كنت تريد طلاق زوجتك لتضرّرك من بعض عيوبها فلا إثم عليك في ذلك، وفي النساء كثير من الصالحات الخيّرات بفضل الله، لكن الأولى أن تصبر على زوجتك، وتسعى في إصلاحها، وتوفر لها مسكناً مستقلاً، وتتعامل معها بالحكمة، وتجمع بين برّ أمّك وحسن عشرة زوجتك.

وعلى كل الأحوال فلا يجوز لك أن تقصّر في برّ أمّك ورعايتها، واعلم أنّ الإحسان إليها من أعظم القربات إلى الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني