الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة الحلف بالطلاق من اتخاذ آيات الله هزوا

السؤال

من سنة ونصف تشاجرت مع زوجي وقال لي: اذهبي إلى بيت أبيك، فقلت له لن أذهب إلا إذا طلقتني، فقال اذهبي فإنك طالق، وبعد ذلك تصافينا، وهو مسافر منذ 3 أشهر، وجاءني خبر أنه سوف يتزوج هناك، فغضبت وعندما علم أبوه غضب، وكانت عائلتي ـ أمي وإخواني ـ ذاهبون إلى المصيف فى هذه الأيام، فقال لي أبوه اذهبي معهم، ولكنه اتصل بي وقال والله إن ذهبت لن تكوني على ذمتي، ولكنني ذهبت، وعندما علم أنني ذهبت أتى إلى والدي وقال إنه سيرسل لي ورقتي في آخر هذا الشهر، وبعد ذلك اتصل بأخته في المنزل وقال لها والله إن دخلت البيت تبقى طالقا مني، وأنا دخلت، وأنا لا أعرف الآن حكم هذا اليمين.
أرجوكم أفيدونى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان زوجك على ما ذكرت من الإكثار من الحلف بالطلاق فهو من المستهزئين بأحكام الله تعالى، وهذا من الخطورة بمكان، فقد ثبت النهي عن ذلك والتحذير منه، قال تعالى: وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة:231}.

قال ابن العربي في أحكام القرآن: ومن اتخاذ آيات الله هزوا ما روي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق مائة، فقال: يكفيك منها ثلاث والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا، فمن اتخاذها هزوا على هذا مخالفة حدودها فيعاقب بإلزامها وعلى هذا يتركب طلاق الهازل. انتهى.

والحلف بالطلاق من أيمان الفساق، كما تقدم في الفتوى رقم: 58585.

وقول زوجك أوّلاً ـ اذهبي إلى بيت أبيك ـ كناية طلاق، فإن نواه لزمه، وإن لم ينوه فلا شيء عليه، وقوله ثانيا: ـ اذهبي وأنت طالق ـ إن لم ينو بقوله اذهبي طلاقا لزمته طلقة واحدة، وإن نوى بها طلاقا ثم تلفظ بالطلاق قاصدا إنشاءه مرة أخرى فقد لزمته طلقتان، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 78889، 102914.

وفى حال لزوم هاتين الطلقتين مع وقوع طلقة أولى قبلهما فلا تصح الرجعة بعد ذلك وأنت أجنبية منه، والمعاشرة بينكما محرمة، ولا تحلين له حتى تنكحي زوجا غيره نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقك بعد الدخول، وما وقع من طلاق معلق بعد ذلك لا يلزم لأنه لم يصادف محلا، وإن لزمه أقل من ثلاث وراجعك قبل تمام عدتك فالرجعة صحيحة، وإن قصد الطلاق بقوله ـ لن تكوني على ذمتي ـ فهي طلقة وتحرمين عليه إن سبقتها طلقتان، وإن لم ينو طلاقا فلا شيء عليه، وقول الزوج أخيرا ـ إن دخلت البيت تبقي طالقا ـ وقد دخلته كما ذكرت ـ يترتب عليه وقوع الطلاق عند جمهورأهل العلم ـ بمن فيهم المذاهب الأربعة ـ خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية القائل بلزوم كفارة يمين إذا لم يقصد طلاقا، وعلى القول بوقوع الطلاق هنا وهو مذهب الجمهور، فإن سبقته طلقة واحدة فقد بقي من العصمة طلقة، وإن سبقته طلقتان فقد حرمت عليه حتى تنكحي زوجا غيره، وإن تقدمته ثلاث طلقات فلا يقع، لأنه لم يصادف محلا، فالحاصل أن زوجك قد صدر منه لفظ صريح بالطلاق وصدرت منه كنايات به، فأما اللفظ الصريح فإنه يعتبر طلاقا قطعا، وأما الكنايات فإنها لا تكون طلاقا إلا إذا نوى الزوج ذلك، وعليه فالذي يمكن أن يحدد عدد الطلقات هو زوجك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني