الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن نذر طاعة لزمه الوفاء بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه. رواه البخاري.
والواجب على من نذر فعل طاعة معينة أن يوفي بها كما نذرها ولا يغيرها إلى غيرها، وعليه فيجب عليك ذبح العجل إن كان بلغ سنتين.
فإن المسلم إذا نذر طاعة وجب عليه أن يؤديها كما نذرها، قال الله تعالى في وصف عباده الأبرار، وما أعد لهم من نعيم الجنة ـ عن حالهم في الدنيا: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاعَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا {الإنسان:5-7}.
والأصل في الضحية والعقيقة مشروعية أكل الإنسان منهما والإهداء والتصدق ويجوز أن يأكلها أو يتصدق بها كلها.
ولكنه إذا كان الناذر حدد جهة للنذر، فإنه يصرف إليها ولا يأكل منها هو ولا أهله.
وإذا كان لم يحدد جهة له، فقد ذكر أصحاب الموسوعة الفقهية: أنه يجوز الأكل منه عند المالكية وبعض الشافعية خلافا للجمهور.
وأما عن التأخير أوالتقديم حتى توافق وقت الضحية، فإن الأصل أن العقيقة تذبح في اليوم السابع، كما رواه أصحاب السنن من حديث سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه.
فإن لم تذبح في اليوم السابع، ففي الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين، لما أخرجه البيهقي عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العقيقة تذبح لسبع، أولأربع عشر، أو لإحدى وعشرين.
فإن خالف هذا فقد خالف السنة وأجزأه ذلك، لأنه ذبحها بعد وجود سببها وهو الولادة، فكانت مثل إخراج الكفارة قبل الحنث، ذكر هذا ابن قدامة في الكافي.
وأما وقت الأضحية فمعروف، فإذا أراد الجمع بينهما فلا يجوز له تقديم الأضحية على وقتها، وقد اختلف أهل العلم في، هل له أن ينوي بالذبيحة كلا من الضحية والعقيقة؟ فجوزه الحنابلة ـ في المشهورعندهم ـ ومنعه المالكية والشافعية، لأن المقصود مختلف، فالمقصود بالأضحية الفداء عن النفس، ومن العقيقة الفداء عن الطفل، وعليه فلا يتداخلان.
ففي الفتاوى الكبرى للهيثمي ـ وهو شافعي ـ أنه سئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة، فهل يحصلان أو لا؟ ابسطوا الجواب؟ فأجاب ـ نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه ـ بقوله: الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين أنه لا تداخل في ذلك، لأن كلا من الأضحية والعقيقة سنة مقصودة لذاتها ولها سبب يخالف سبب الأخرى والمقصود منها غير المقصود من الأخرى، إذ الأضحية فداء عن النفس والعقيقة فداء عن الولد، إذ بها نموه وصلاحه ورجاء بره وشفاعته، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كل منهما فلم يمكن القول به نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد وسنة الظهر وسنة العصر، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها، بل لعدم هتك حرمة المسجد وذلك حاصل بصلاة غيرها وكذا صوم نحو الإثنين، لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة وذلك حاصل بأي صوم وقع فيه، وأما الأضحية والعقيقة فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح، والكلام حيث اقتصر على نحو شاة أو سبع بدنة أو بقرة، أما لو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أسباب منها ضحية وعقيقة والباقي كفارات في نحو الحلق في النسك فيجزي ذلك وليس هو من باب التداخل في شيء، لأن كل سبع يقع مجزيا عما نوي به، وفي شرح العباب: لو ولد له ولدان ولو في بطن واحدة فذبح عنهما شاة لم يتأد بها أصل السنة، كما في المجموع وغيره. وقال ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافا. هـ.
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل ـ وهو مالكي: ولوأقام بأضحيته سنة عرسه أجزأته، ولوعق بها عن ولده لم تجزه، ولعل الفرق أن الوليمة لما لم يشترط فيها ذبح ما يشترط في الأضحية من الأسنان تقوي جانب الأضحية بخلاف العقيقة فيشترط فيها ما يشترط في الأضحية من الأسنان فضعف جانب الأضحية فلم تجز.هـ.
و في كشاف القناع للبهوتي ممزوجا بالنص ـ وهو حنبلي: ولو اجتمع عقيقة وأضحية ونوى الذبيحة عنهما أي: عن العقيقة والأضحية أجزأت عنهما نصا.
وقال في المنتهى: وإن اتفق وقت عقيقة وأضحية فعق أوضحى أجزأ عن الأخرى.هـ.
ومقتضاه إجزاء إحداهما عن الأخرى ـ وإن لم ينوها ـ لكن تعبيرالمصنف موافق لما عبر به في تحفة الودود: آخرا، قال الشيخ شمس الدين محمد ابن القيم في كتابه تحفة الودود في أحكام المولود: كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة، أوصلى بعد الطواف فرضا أوسنة مكتوبة وقع أي: ما صلاه عنه أي: عن فرضه وعن ركعتي الطواف، وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة أي: أوالقران وعن الأضحية.هـ.
وفي معناه: لو اجتمع هدي وأضحية فتجزئ ذبيحة عنهما, لحصول المقصود منهما بالذبح، وهو معنى قول ابن القيم : وكذلك لو ذبح المتمتع إلخ، واختار الشيخ لا تضحية بمكة، إنما هو الهدي لظاهر الأخبار.هـ.
والله أعلم.