السؤال
لأسباب كثيرة لن يتسع الوقت لسردها يمتلكني شعور بكرهي الشديد لأم زوجي، ولكنني في نفس الوقت أحسن معاملتها كأمي وأكثر ـ والله على ما أقول شهيد ـ وذلك لأنني تربيت في بيت يحترم الكبير ويوقره وكذلك احتراما لزوجي وخوفا من غضبه علي إن أسأت ـ ولو بدون قصد ـ وكذلك ليجازيني به الله في أولادي خيرا ومشكلتي هي أنني أشعر بأنني في هذه الحالة منافقة وأكن لها ما لا أظهره، مع العلم بأنني حاولت أن أغير ما بداخلي وأن أتقرب منها، ولكنها تظهر لي حسن المعاملة ومن ناحية أخرى تحرض زوجي على أشياء وتختلق المواقف التي تعرف تماما أنها ستعكر صفو حياتي وهي تعلم أن أخلاقي وكذلك زوجي لن يسمحا لي باتخاذ أي موقف تجاهها، فهل هذا نفاق؟ وماذا أفعل تجاه ذلك؟.
ولكم جزيل الشكر على سعة صدوركم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يصلح ذات بينكم وأن يؤلف بين قلوبكم وأن يلهمكم الرشد والصواب, واعلمي ـ أيتها السائلة ـ أنك بصبرك على أم زوجك وتغاضيك عن هفواتها وعفوك عنها تسارعين إلى مغفرة الله وجنته، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133، 134}.
فداومي على ما أنت فيه من الخير واحذري أن يستزلك الشيطان لمعاملتها بمثل ما تعاملك به وحينئذ تكونين قد ضيعت خيرا كبيرا، واعلمي أن الله سبحانه قد ندب عباده إلى الصبر بقوله: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186}. وندبهم إلى العفو بقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ{الشورى:40}. وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور:22}.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
واعلمي أن العفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم: سئلت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق رسولِ الله, فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح". رواه أحمد والترمذي، وأصله في الصحيحين.
أما ما تشعرين به من كونك منافقة بسبب ذلك فهذا غير صحيح، بل هو من كيد الشيطان ليزيحك عن هذه العبادة العظيمة وهي مداراة الناس والتغاضي عنهم، وقد بوب البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه الصحيح فقال: باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. وذكر فيه عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال ائذنوا له: فبئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله؛ قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وأشار المصنف بالترجمة - أي التبويب - إلى ما ورد فيه أي الأحاديث - على غير شرطه واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه، فمما ورد فيه صريحا: حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مداراة الناس صدقة. أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط، وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه.
وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه: رأس العقل ـ بعد الإيمان بالله ـ مداراة الناس. أخرجه البزار بسند ضعيف.
قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة.
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه. انتهى.
ولا يمنعك مداراتها والإحسان إليها من أن تنصحي لها وتبيني لها ما تقع فيه من أخطاء بأسلوب لين رفيق.
والله أعلم.