السؤال
نعرف أن هناك سنة 4 ركعات قبل الظهر فهل تصلى متصلة أم ركعتين ركعتين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فالأفضل أن تصلى راتبة الظهر القبلية كل ركعتين بسلام، ويجوز صلاتها أربعاً بسلام واحد، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، وللحافظ العراقي بحث جيد لهذا الموضوع في طرح التثريب عند شرحه للحديث المتفق عليه: "صلاة الليل مثنى مثنى" نرى إلحاقه بالفتوى للفائدة.
قال رحمه الله:
(السَّادِسَةُ - من فوائد الحديث -: اُسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا أَرْبَعًا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَاهُ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ تَرْجِيحُ أَرْبَعٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّم.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى" سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى هَذَا أَصَحِيحٌ هُوَ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، فَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُضَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلَتْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَقَالَ بِأَيِّ حَدِيثٍ ؟ فَقُلْت بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى" فَقَالَ وَمَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيِّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ هَذَا، أَدَعُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَآخُذُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، لَوْ كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَنْفِي هَذَا الْحَدِيثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ لَا نَكَارَةَ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ ذَكَرَ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ".
وَقَدْ رُوِيَ: "قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ". وَقَالَ: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ".
"وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ". وَصَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَجَبَ رَدُّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَيْهِ قِيَاسًا وَنَظَرًا انْتَهَى . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَافِعٌ وَطَاوُسٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَاتِ أَنْ تُقْبَلَ وَقَدْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْن". وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ انْتَهَى.
وَأَجَابُوا عَنْ مَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لَا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا كَيْفَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ النَّهَارِ مِثْلُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَهُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ. وَأَمَّا فِعْلُ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ صَلَاتُهُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ: "إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى".
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابَي لَا بِمَا رَآهُ وَفَعَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعَةُ: وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ أَيْضًا مَثْنَى فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا مَثْنَى بَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، فَلَا بَأْسَ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الصَّحِيحُ: أَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ، فَلَا بَأْسَ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى تَفْضِيلِهَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَارِقِيِّ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ النَّهَارِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ مَعَ جَوَازِ غَيْرِهِ انْتَهَى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني