الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصحابه يبغضونه لحرصه على الطاعة فماذا يفعل

السؤال

أنا مظلوم من كل الناس لا أحد يحبني بجد أو لا أحد يحبني حتى أصدقائي لا يحبونني لأنني لا أتكلم مع النساء، ولأنني محترم لا يحبون أن يذهبوا معي، إذن أمشي مع من لقد تعبت أتمنى أن يجيبني أحد ماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المسلم الذي يطلب رضوان الله وجنته إنما يحرص في المقام الأول على محبة الله ورضاه وحده لا شريك له، فإذا فاز بمحبة الله وظفر برضوانه فلا يضره ما فاته من محبة الناس أو رضاهم عنه، فلا تبتئس أيها السائل ولا تحزن مادام الناس ينصرفون عنك بسبب التزامك بأمر الله سبحانه، فهذا حال الغرباء المستمسكين بالحق القابضين على مثل الجمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. رواه مسلم وغيره.

واحذر أن يجرك هذا إلى موافقتهم على أخطائهم ومعاصيهم حتى يرضوا عنك فإنك إن فعلت فقد خسرت خسرانا كبيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرضى الله بسخط الله كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس. ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة. وقال: صحيح. وروي بلفظ: من طلب محامد الناس بمعصية الله عاد حامده ذاما. وأخرج الترمذي وعبد الغني المقدسي: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره صحيح. وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ: من أسخط الله في رضي الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه. انتهى.

واحذر مصاحبة هؤلاء العصاة ومرافقتهم فإن أخلاق السوء ما أسرع ما تنتقل ويسري أثرها السيئ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني، قال في عون المعبود: على دين خليله: أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.

وصديق السوء أخطر شيء على دين المرء وأخلاقه وكلنا يعلم كيف كان لأصدقاء السوء دور كبير في موت أبي طالب على الكفر مع ما كان عليه في حياته من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ونصرة له.

جاء في تفسير ابن كثير: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله ابن أبي أمية فقال: أي عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ قال: فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب.

فعليك أن تصبر على بغض الناس وجفائهم لك، ثم عليك أن تبذل جهدك لدعوتهم إلى الخير وصرفهم عن الشر فإن الدعوة إلى الله سبحانه من أفضل العبادات كما بيناه في الفتوى رقم: 37677، ووضحنا في الفتوى رقم: 29987، أن الدعوة واجبة على كل فرد بحسبه.

وإذا سخط عليك أهل الضلالة والمعاصي وأبعدوك فلك خلف طيب في أهل الدين والأخلاق فابحث عنهم وصاحبهم ففي صحبتهم عون للمرء على سلوك الطريق إلى الله عز وجل. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. {الكهف: 28}.

جاء في تفسير السعدي رحمه الله: يأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وغيره أسوته في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ أي أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها ففيها الأمر بصحبة الأخيار ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى.

وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ أي لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك. تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فإن هذا ضار غير نافع وقاطع عن المصالح الدينية فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب الرغبة في الآخرة فإن زينة الدنيا تروق للناظر وتسحر العقل فيغفل القلب عن ذكر الله ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية والندامة السرمدية ولهذا قال: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا غفل عن الله فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.

وَاتَّبَعَ هَوَاهُ أي صار تبعا لهواه حيث ما اشتهت نفسه فعله وسعى في إدراكه ولو كان فيه هلاكه وخسرانه فهو قد اتخذ إلهه هواه كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. {الجاثية: 23}. وَكَانَ أَمْرُهُ أي مصالح دينه ودنياه فُرُطًا أي ضائعة معطلة فهذا قد نهى الله عن طاعته لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به. انتهى.

نسأل الله سبحانه لنا ولك الثبات على صراطه المستقيم ودينه القويم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني