الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل المدين المسافر بغير إذن دائنه لا يجوز له قصر الصلاة

السؤال

سمعت من صديق أنه لا يجوز التقصير في الصلاة لحامل الدين إذا كان مسافرا حتى يستأذن من دائنه.هل هذا صحيح؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمدين الذي دينه حال، وهو قادر على وفائه لا يجوز له أن يسافر إلا بإذن الدائن، فإن خالف وأنشأ السفر بغير إذنه فهو عاص بسفره، وفي جواز القصر للعاصي بسفره قولان للعلماء، فأجازه الحنفية والظاهرية ومنعه الجمهور، جاء في الموسوعة الفقهية: اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ أَلاَّ يَكُونَ الْمُسَافِرُ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَنَاشِزَةٍ وَعَاقٍّ وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ غَرِيمِهِ. إِذْ مَشْرُوعِيَّةُ التَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ لِلإِْعَانَةِ. وَالْعَاصِي لاَ يُعَانُ، لأَِنَّ الرُّخَصَ لاَ تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. انتهى.

وبهذا يتبين لك أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، بل حيث وجب استئذان الدائن وجاز له منع المدين من السفر فسافر بغير إذنه لم يجز القصر عند الجمهور، وإذا لم يكن استئذانه واجبا كما لو كان المدين معسرا أو كان الدين مؤجلا فالقصر جائز له لأنه غير عاص بسفره.

وقد فصل ابن أبي عمر في الشرح الكبير الحال التي يجوز فيها منع المدين من السفر فقال رحمه الله: المدين إذا أراد السفر وأراد غريمه منعه نظرنا فإن كان محل الدين قبل محل قدومه من السفر كمن يسافر إلى الحج لا يقدم إلا في صفر ودينه يحل في المحرم فله منعه من السفر لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله، فإن أقام ضمينا مليئا أو دفع رهنا يفي بالدين عند المحل فله السفر لزوال الضرر بذلك. أما إذا كان الدين لا يحل إلا بعد محل السفر مثل أن يكون محله في ربيع وقدومه في صفر فإن كان سفره إلى الجهاد فلغريمه منعه إلا بضمين أو رهن لأنه سفر يتعرض فيه لذهاب النفس فلا يأمن فوات الحق، وإن كان لغير الجهاد فليس له منعه في إحدى الروايتين، وهو ظاهر كلام الخرقي لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير وكالسعي إلى الجمعة. والثانية: له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه منه كالأول، وقال الشافعي ليس له منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل إذا كان الدين مؤجلا بحال سواء كان الدين يحل قبل محل سفره أو لا إلى الجهاد أو إلى غيره لأنه لا يملك المطالبة بالدين فلم يملك منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل كالسفر الآمن القصير. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني