الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول الهبة وتنمية الأبناء تجارة أبيهم

السؤال

لدي 5 أخوات بنات و 4 بنين، وكان لدى أبي محل يعمل به ملك له، وبعد ذلك اشترى قطعة أرض وبنى عليها بيتا ملكا له، به شقة للعائلة، وأعطاني شقة للمعيشة فيها، ولكن بدون مقابل، وكذلك شقة لأخي للزواج فيها بدون مقابل، وباقي الشقق إيجار لأشخاص أخر -إيجار قديم - ويوجد في البيت الملك محل يعمل به أبي أيضا ولكن دخلة ضئيل جدا، فاقترح أخي الأكبر بتغيير نشاط المحل وتكبير التجارة فساهم بمبلغ من ماله الخاص وكذلك نحن البنون بمجهودنا وواحدة من البنات ببيع ذهبها الذي أهداه لها أبي وأمي أيضا بالذهب الذي أهداه لها أبي وعملت معنا اختنا هذه في المحل، ولكن لفترة قصيرة قبل زواجها، وعندما جاءت الضرائب قام أبي بكتابة المحل باسم أخي الكبير وأختي هذه وأمي لتقسيم الضرائب عليهم ولأن أبي كان له نشاط آخر في المحل الأول السابق ذكره، ولكن أبي باع هذا المحل وبقى المحل الذي في البيت الملك الذي قمت أنا وإخوتي البنين فقط بتكبير تجارته، وعندما كبرت التجارة قام أبي بشراء ذهب آخر لأمي غير الذي ساهمت به في المحل واشترى لأختي التي تعمل معنا في زواجها أثاثا بأكثر من الذي أعطاه للبنات الأخريات بمثابة الذهب الذي ساهمت به في المحل. بعد ذلك فوض لنا أبي رعاية المحل اعترافا منه أننا السبب في تكبير التجارة بمجهودنا وكذلك أخواتنا البنات كن معترفات بذلك، وكان دخل المحل مقسما على كل من البنات والبنين بما يرضى الله من معيشة، وبعد ذلك من شراء مستلزمات الزواج وغيره، وبعد فترة توفيت أمي، ولكن وجب عمل شباك وراثة لأن اسمها كان مكتوبا بالمحل، وحيث كان اسمها مكتوبا على ورق فقط أمام الحكومة لتقسيم الضرائب والمحل كان مازال قائما على العمل، وأننا نحن البنين المشتغلون فيه فقط وكبرناه بمجهودنا قام أبي بكتابة تنازل من البنات إلى البنين في حق أمهم في المحل، وهذا طبعا كان حقا وهميا كما ذكرت الأسباب، وبعد ذلك ازدهرت التجارة بفكرنا نحن البنين، وقمنا بشراء أراضى وعربات، ولكن كنا نكتبها بأسمائنا نحن البنبن فقط، وكان هذا بموافقة أبي وأخواتنا البنات لاقتناعهن بمجهودنا، وبعد ذلك توفي أبي وكان لا يوجد شيء مكتوب باسمه سوى البيت الملك الذي يوجد به شقة العائلة، وقمنا نحن البنين بالتنازل شفهيا للبنات بها والشقتين الأخرى لي ولأخي وباقي الشقق الإيجار ومحل آخر إيجار، ولكن بعد ذلك اعترض البنات وقلن إنهن غير مسامحات في التنازل الذي كتبنه لأنهن كن في وقتها غير مدركات بعواقبه، وأنهن وقعن علية خوفا من أبيهم؛ لأنه كان من الرجال الأقوياء ولم يقدروا على رفض أي طلب له ولصغر سن بعضهن وأنهن يطالبن بحقهن في أبيهن وكان أبي في حياته لم يطالبنا نحن البنين بكتابة اسمه على أي ممتلكات قمنا بشرائها وأيضا بعدم كتابة اسمه على المحل مرة أخرى بعد بيع المحل الأول، وذلك تقديرا منه بأننا نحن الذين كبرنا التجارة في الوقت الذي كان يعمل هو به والأجر ضئيل، وقالت البنات أيضا إن أبي حرمهن من الخير الذي عم على المحل بعد تكبير التجارة علما بأننا بارون جدا بأخواتنا ونقوم بإعطائهن كل ما يحتجنه من مال إذا احتاجت إحداهن، ونقوم بالتكفل بعلاجهن في وقت مرض أي واحدة منهن من مصاريف مستشفى ودواء، وأيضا عندما يأتين إلى شقة العائلة للجلوس بأولادهن حتى ولو طالت المدة، علما بأن هذا مكلف جدا لكثرة عددهم ولم نقصر معهن في أي شيء من واجبات الأخوة. وآسف للإطالة، ولكن ذلك للتوضيح.
والسؤال ما الحق الذي لهن في ممتلكات أبي؟ وهذا الحق بعد ازدهار التجارة أم قبلها؟ أرجو أن تفيدوني لأني أخشى أن يكون أبي قد أثم في أي شيء وماذا نفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فرحم الله والدكم، وأصلح أحوالكم، ووقاكم شرور أنفسكم .. وأما بالنسبة لموضوع السؤال، فلابد أن يعلم السائل أن أمر التركات وسائر الحقوق المشتركة، هي أمور خطيرة وشائكة للغاية، فلا بد من رفعها للمحاكم الشرعية أو ما ينوب منابها، للنظر والتحقيق والتدقيق والبحث في الأمور الخفية، وإيصال الحقوق لذويها. ولا يمكن الاكتفاء في مثل هذه الأمور بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، خاصة إذا كانت متشابكة ومتطاولة الزمان ومتعددة الأطراف، وذات أبعاد لا يمكن أن يحاط بها عن طريق سؤال مكتوب، كما هو الحال هنا، ولذا فإنا سنكتفي ببيان أصول الموضوع في هذه المسألة، من خلال النقاط الآتية:

1ـ هبة الوالد لأولاده لابد فيها من العدل، فلا يجوز تخصيص أحد الأبناء بالهبة إلا لمسوغ شرعي، فإن خصص الوالد بعضهم بغير مسوغ ثم مات ردت هذه الهبة إلى التركة، على الراجح من أقوال أهل العلم. كما فصلناه في الفتوى رقم: 107734. ويشتد الإثم ويعظم الجرم إذا كان التفضيل للذكور على الإناث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء. وعلى ذلك، فينبغي أن ينظر في الشقتين اللتين أعطاهما الوالد لابنيه، هل أعطى بقية أبنائه عوضا مساويا أو مقاربا عنهما أم لا؟ وهذا العوض قد يكون مالا أو ذهبا أو غير ذلك من المقتنيات.

وأما ما اكتسبه الأبناء الذكور من التجارة في مال أبيهم في حياته، واشتروا به أراضٍ وسيارات، وكتبوها بأسمائهم، بموافقته وموافقة أخواتهم، فلا حرج فيه، وهو ملك خاص بهم، وليس لبقية الورثة شيء فيه، إن كان هذا المال يقارب أجرة مثلهم في ما قاموا به من عمل مع أبيهم، فإن أباهم كما يظهر لم يخصهم بذلك إلا نظير عملهم وجهدهم معه في تنمية التجارة، وهذا مسوغ مقبول، وليس فيه ظلم لمن عداهم من الأولاد، فهو (تقدير لجهودهم) كما جاء في السؤال. وراجع في ذلك الفتويين: 119007، 59825.

2ـ ما بذله الأبناء وأمهم من المال لتنمية التجارة المذكورة، إما أن يكون هبة وإما أن يكون قرضا، ولا يصلح أن يكون شركة، لأنهم لم يتفقوا على ذلك، ولم يحددوا نصيب كل شريك لا في رأس المال، ولا في الربح، ويؤكد هذا ما ذكر في السؤال من أن دخل المحل كان يقسم على كل من البنات والبنين، في معيشتهم وزواجهم. وأن الوالد قد اشترى للوالدة ذهبا عوضا عن الذهب الذي باعته من أجل التجارة.

فإن كان هبة فلا أثر لذلك في الميراث، وإن كانت قرضا فليس للمقرض من ميراث أبيه شيئا زائدا على نصيبه الشرعي إلا بمقدار قرضه. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 46068.

وبذلك يعلم أن هذه التجارة وهذا المحل باق على أصل ملكيته للوالد، وينتقل لجميع ورثته من بعده بحسب أنصبتهم، وليس للأبناء فيه شيء زائد عن أنصبتهم الشرعية. وأما جهدهم المبذول في تنمية التجارة في حياة أبيهم فقد عوضهم أبوهم عنه بما اشتروا به الأراضي والسيارات المذكورة، مع ما أنفقوا منه في زواجهم ومعايشهم وعليهم رد الزائد مما عوضهم إن كان لا يتناسب مع ما بذلوا حينئذ في الإيثار من غير مسوغ وهو أمر محرم كما قدمنا.

3ـ الكتابة الصورية للمحل باسم الأخ الأكبر والأخت والأم، لا أثر لها في انتقال الملكية، فإن مجرد التسجيل في الأوراق الرسمية دون نية التمليك لا يعتبر هبة، ولا يصح به انتقال الملك، فإن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 95942، 36133، 7685.

وعلى ذلك فلا أثر لهذه الكتابة، ولا للتنازل عن مقتضاها، كما فعل الأخوات من كتابة تنازل عن حقهن من ميراث والدتهن من المحل، فإن ملكية الأم غير متحققة أصلا، وبذلك يتبين أن مطالبتهن بالرجوع في هذا التنازل لا معنى لها. وإنما يحق لهن أن يطالبن بحقهن في ميراث أبيهن، سواء من المحل أو البيت أو أموال التجارة على ما سبق بيانه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني