الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرط جواز بيع ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول

السؤال

أعيش في كندا، وأريد شراء بيت، وهناك شركات إسلامية تموّل الشراء على أساس المشاركة، فمثلًا أدفع عند التوقيع ربع ثمن البيت لشركة البناء، وتدفع الشركة الإسلامية الثلاثة الأرباع المتبقية، فيكون البيت لنا معًا، ثم تقوم الشركة الإسلامية بتأجير حصتها من البيت لي، وهذا هو المكسب الذي يعود إليها، ثم مع مرور الزمن أشتري حصتها -أي: الثلاثة الأرباع-؛ حتى أتم سداد ثمن البيت كاملًا، فيكون لي، وقد أفتى بجواز هذه المعاملة بعض علماء باكستان، ولكن الذي أشكل عليّ هو أحد شروط العقد، إذا أردت فسخ العقد قبل سداد ثمن البيت كاملًا.
ولتوضيح الأمر أسوق إلى فضيلتكم هذا المثال: إذا كان ثمن البيت مائة وخمسين ألف دولار، ودفعت منها الربع عند توقيع عقد الشراء، والشركة الإسلامية الثلاثة الأرباع، ومع مرور ثلاث سنوات، اشتريت جزءًا من نصيبهم، فصار نصيبي الثلثين، وهم الثلث.
ونفترض أني أردت الخروج من العقد بعد هذه السنوات الثلاث، فعندئذ تأخذ الشركة الإسلامية مني نصيبها المتبقي على البيت، أي: الخمسين ألف دولار بحساب ثمنه الأصلي عند الشراء، لا الثمن الحالي، أي أنهم لا علاقة لهم بالقيمة الحالية للبيت، فمثلًا لو أن البيت زاد ثمنه إلى ثلاثمائة ألف دولار، فالمكسب كله لي، أي: المائة وخمسون ألفًا المتبقية، ولو نقص ثمنه، فالخسارة كلها عليّ وحدي، والذي أشكل عليّ في هذه المعاملة أنني عندما أردت الخروج قبل تمام السداد، وعلى الرغم أن لهم ثلث البيت، إلا أنهم لم يشاركوني لا في المكسب ولا في الخسارة، هذا مع العلم أن وجود خسارة ضعيف؛ لأن ثمن البيوت هنا في ارتفاع مستمر، وهناك نوع ثان من الشركات الإسلامية التي تشارك المشتري المكسب والخسارة، ولكن بنسب غير نسب رأس المال عند الفسخ، ففي المثال الذي ضربته سابقًا يأخذون عشر الربح - إضافة لثلث البيت المتبقي لهم -، أو يتحملون عشر الخسارة، هذا على الرغم أنه عند فسخ العقد كانوا يملكون ثلث البيت، فهل التعامل مع النوع الأول من الشركات جائز أم النوع الثاني أم ماذا؟ أفيدوني -بارك الله فيكم-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فالمعاملة المذكورة هي ما يسمى بالمشاركة المتناقصة، وقد فصلنا القول فيها في الفتوى: 94968.

وقد اشترط مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي ثلاثة شروط لهذه المشاركة، وهي:

1. ألا تكون المشاركة المتناقصة مجرد عملية تمويل بقرض، فلا بد من إيجاد الإرادة الفعلية للمشاركة، وتقاسم الربح، بحسب الاتفاق، وأن يتحمل جميع الأطراف الخسارة.

2. أن يمتلك المصرف (البنك) حصته في المشاركة ملكًا تامًّا، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة، والتصرف. وفي حالة توكيل الشريك بالعمل، يحق للبنك مراقبة الأداء، ومتابعته.

3. ألا يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطًا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال، بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح؛ لما في ذلك من شبهة الربا.

وبناء عليه؛ فإذا كانت الشركة تشترط على العميل أن يعطيها رأس مالها، أو الباقي منه عند خروجه من الشركة، دون النظر إلى قيمة السهم الذي تملكه في البيت، فلا يجوز الدخول معها في ذلك العقد؛ لأن حقيقته أنه مجرد قرض ربوي.

أما لو لم يكن ذلك شرطًا، لكن رضيت الشركة في سهمها بمثل ما اشترته به، فيكون ذلك من بيع التولية، وهو نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول، من غير زيادة ربح، ولا حرج فيه عند التراضي عليه، لكن لا يصح اشتراط ذلك في عقد الشركة؛ لأن السهم قد تتغير قيمته، ولا بدّ من وجود الإرادة الفعلية للمشاركة، وتحمل جميع الأطراف الخسارة. وإلا كان الأمر مجرد قرض ربوي.

وبناء عليه؛ فإذا صححت إحدى الشركتين، أو غيرهما عقدها وفق الضوابط الشرعية المبينة سابقًا لصحة المشاركة المتناقصة، فلا حجر في الدخول معها فيه، وإلا فلا. وللفائدة انظر الفتوى: 6374.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني